ماذا يستفيد الانسان العربي، من كل هذه الشعارات الدينية والقومية والمذهبية والسياسية، التي تتبناها الأنظمة او الجماعات السياسية، اذا كان هذا الكم من الشعارات مجرد بديل وهمي عن الحياة الكريمة، وعن حصول الناس على حقوقهم؟!.
يخطر في بالك هذا السؤال، على الرغم من تعقيدات الإجابة، حين ترى ان كل الدول التي تشاغلت بالوهم للتغطية على حقوق الانسان المنقوصة فيها، سرعان ما تعرضت الى محن، وبين أيدينا نموذج سورية التي طرحت شعار مواجهة العدو الاستراتيجي، تاريخيا، ومقابل هذا الشعار حرمت السوريين من حقوقهم، ومثلها الجزائر التي ارادت طوال عقود ان يعيش شعبها على بطولات التحرير واطفاء موجات الإرهاب، كبديل عن الحياة الكريمة وحقوق الناس، وأخيرا العراق الذي تشاغلت نخبه أيضا بالشعارات المذهبية والتقسيمات والصراعات فيما يغرق العراق ذاته في الفساد والنهب والجوع والحرمان.
في الدول الثلاث خرجت ثورات اجتماعية، وسواء تحولت الى مجرد فوضى، او بقيت مجرد ثورة، او تاجرت بها اطراف دخيلة، فقد تأسست على جمهور مظلوم لم يحتمل ان يكون الحبر والورق، والشعار الزائف، بديلا عن الحقوق الاصلية، خصوصا، حين يرى المواطن ان من يبيعه وهم الشعارات هو ذاته من يسرقه، ويتسبب بهذه الكوارث، وان هناك من يريد إقناعه ان ادمان الوهم، وهم التاريخ، او المستقبل، بديل عن حقوق الحاضر.
لن يهدأ العالم العربي ابدا، مادامت حقوق الانسان فيه منقوصة، والعدالة غائبة، والفساد مثل عدوى الكوليرا، والتقسيمات الطولية والعرضية، من حيث الأديان والمذاهب والاعراق والأصول تقسيمات تحدد اتجاهات وحركة كل مجتمع على الصعيد الداخلي، وتصنع معارك وهمية بين مكونات طبيعية لبلد واحد، او منطقة واحدة، وهذا ما نراه في اغلب الدول العربية، بما في ذلك الكيانات التي يصح وصفها بالساكنة حاليا، وهو سكون خادع يؤشر على ان هذه المجتمعات اما ماتت كليا، واما ان التحول فيها بطيء لكنه قادم لا محالة، لكنه جراء تأخره سيكون مكلفا جدا.
مظاهرات بغداد، وجنوب العراق، ليست غريبة، حتى لو كانت بغداد الرسمية، مثل بقية عواصم العرب تتحدث عن مندسين وعملاء واجندات، وهي لغة خشبية، لم تعد مؤثرة، لان افتراض وجود مندسين وعملاء واجندات، اذا صح، لن ينجح، ما لم يجد في أرضية أي بلد، بحرا من المظالم، والفساد، والجوع، والحرمان، فما بالنا بالعراق الذي يعد من اغنى الدول العربية لكنه مدين بأكثر من مائة وسبعين مليار دولار، لا كهرباء فيه، ولا تبريد، ولا تعليم، ولا علاج، فوق الكراهية التي تم تصنيعها بين أبناء بلد واحد، واكتشف كل الذين تورطوا في صناعتها، انهم فازوا بالشعارات، وبالتقسيمات، فيما من دلهم على هذه الصناعة سرق كل شيء، تاركا لهم الأكاذيب، وفر بالإبل وما حملت، وبين أيدينا قائمة طويلة في العراق من رجال الدين، والنواب، والسياسيين، وغيرهم، تورطوا جميعا في مال الشعب العراقي، وتركوا له حرية الكراهية دون سقوف، او حرية الموت بالشكل الذي يحبذونه.
هنا، ربما المقارنة تكون جائرة اذا تحدثنا عن نموذج الاحتلال الإسرائيلي، اذ على الرغم من كل التقسيمات الرئيسة والفرعية فيه، والصراعات الطبقية والعرقية، والصراعات السياسية، ونقاط الهشاشة فيه، الا انه ما يزال موحدا حتى الآن، ربما بفعل الشعور بالخطر، ثم بفعل الرواية الدينية، إضافة الى وجود دولة مؤسسات وعدالة لليهود على الأقل، وحتى الآن لا تحمل كينونة الاحتلال بذور الفناء من الداخل، لكنها قد تلحق بركبنا اذا قلدتنا، وبين أيدينا نموذج ثورة يهود اثيوبيا التي وقعت قبل شهور، وهي تؤكد ذات النظرية، أي انهيار أي مجتمع يبدأ اما بالفساد، او بغياب العدالة، او تطاول مكون على مكون، او استهلاك حياة الناس، مقابل شعارات لا تسمن ولا تغني من جوع، للتغطية على الحقوق المنقوصة حقا، فقاعدة الحصانة هنا لأي مجتمع، مشتقة من الرياضيات.
لن يهدأ العالم العربي، وسنرى كل يوم، فوضى او ثورة في مكان ما، والمثير هنا، ان لا احد يتعلم خصوصا في “الكيانات الساكنة” التي لن تصلها العدوى، والتي يظن سادتها ان هناك تدخلا الهيا لحمايتهم، لكنها للمفارقة ليست لحظة تدخل الهي، بقدر كون تلك اللحظة المؤجلة، قد تكون لحظة تأجيل الهي، تتراكم فيها الفوائد، نحو نهاية مروعة.
الغد