الملك اتجه لموسكو ماذا هناك؟
د.حسام العتوم
04-10-2019 12:27 AM
تحركت الطائرة الملكية التي تقل جلالة الملك عبدالله الثاني "حفظه الله" إلى عاصمة الفدرالية الروسية موسكو، للقاء الرئيس فلاديمير بوتين، وسط عاصفة سياسية شرق اوسطية، ذات علاقة مباشرة بالسيادة الاردنية وبمستقبل القضية الفلسطينية العادلة برمتها. وسبق لجلالة الملك في غابر الايام القريبة ان التقى المستشارة الالمانية انجيلا
ميركيل في المانيا 3/9/2019، والقى خطابا هاما في الامم المتحدة 24/9/2019 ، وأجرى مقابلة اعلامية مع قناة اس. ان.
بي. سي الامريكية الاعلامية 23/9/2019 جميعها دارت حول موضوع اعلان نتنياهو عن عزمه ضم غور الاردن وشمال البحر الميت والحاقهما بمشروعه السابق، بضم الهضبة السورية الجولان للسيادة الاسرائيلية اذا فاز في الانتخابات الاخيرة التي تنافس عليها مع منافسه للمرة الثانية، وبيني غانتس. واسرائيل غربا نقيم معها اردنيا معاهدة سلام، تحت غطاء دولي منذ عام 1994، ولدينا معها تبادل دبلوماسي على مستوى سفير، لكن قنوات الاتصال السياسية المباشرة عالية الشأن مجمدة، ولا تطبيع اعلامي معها بطبيعة الحال، ما دامت محتلة، وتمارس المزيد من الاحتلال عبر القنوات السياسية, وهي التي استبدلتها بالحروب السابقة 1948/ 1967/ 1968/ 1973. وما دامت ناشرة للاستيطان في وضح النهار، ومنادية جهاراً بالسيادة غير المشروعة بدعم امريكي واضح، وبمشاركة فاعلة لمؤسسات (الايباك) العلاقات اليهودية – الصهيونية الامريكية، و (البنتاغون) الدفاع والاستخبار، والكونغرس – البرلمان والاعيان، لذلك نلاحظ بأن جلالة الملك عبدالله الثاني لا يخاطب اسرائيل مباشرة، وإنما يحاور الدول المؤثرة عليها مثل المانيا، وامريكا، وروسيا، وزيارة سابقة لنتنياهو 13/9/2019 لموسكو، وزيارة مرتقبة لبوتين لتل ابيب بدعوة من الرئيس ريتوفين ريفلين، مما يعني ان زيارة جلالة الملك لموسكو هذه المرة جاءت استباقية لزيارة بوتين لاسرائيل للاسباب سابقة الذكر اعلاه.
وليست المرة الأولى التي يزور فيها جلالة الملك عبدالله الثاني موسكو، ولقد تكررت الزيارات الملكية منذ عام 2001، واصبحت سنوية، وغيرها اكثر من مرة بالسنة. وينفرد جلالة الملك بأنه الزعيم العربي الوحيد القادر على لقاء زعماء العالم مباشرة، وبلغة انجليزية رفيعة المستوى، وبتوازن، وحنكة سياسية قل نظيرها، فما هو وجه الاختلاف بين امريكيا وروسيا في السياسة الخارجية، وماذا عن الدور الاوروبي في سياسة الشرق الأوسط؟ اين اصبحت قرارات الامم المتحدة ومجلس الامن المتخصصة بتثبيت السلام بين العرب واسرائيل تحديدا؟ كلها اسئلة تحتاج إلى تمحيص ولتبيان الرأي.
والواضح هنا هو ان امريكا ترمب والتي لا تختلف عن ما سبقها من حقب إلا بالسذاجة، وتعمل محامية دفاع عن اسرائيل، وتتبنى قضاياها الاحتلالية التوسعية، وتعلن انها صديقة للعرب ذات الوقت. فبتاريخ 25/3/2019 وقعّ ترمب على اسرلة الجولان الهضبة السورية المحتلة مستهتراً بمشاعر العرب، ومخترقا للقانون الدولي، ولبنود الامم المتحدة ومجلس الامن. ووكيلة الامين العام للشؤون السياسية روز ماري دي كارلو تؤكد سيادة سوريا واستقلالها وسلامتها الاقليمية وفقا لقرار مجلس الامن رقم 2254. والان يسهل على نتنياهو مزوّر التاريخ ان يتطاول مجددا على غور الاردن في اطار صفقة القرن بالتعاون مع امريكا. وأفعاله شاهدة عيان، وكتابه (مكان تحت الشمس) كذلك.
يقول نتنياهو مثلا في كتابه هذا ص 385 (ان معارضة العرب لوجود اسرائيل، كانت وما زالت، العقبة الرئيسية، التي تحول دون تحقيق السلام). وبينما كتابه هذا صدر في منتصف تسعينيات القرن الماضي نجد أن رد العرب جاء صريحا في قمة بيروت عام 2002، التي طالبت اسرائيل بالانسحاب من الاراضي العربية المحتلة حتى حدود الرابع من حزيران 1967، والقبول بحل عادل لأوضاع اللاجئين الفلسطينيين يرتكز على القرار 194 ، وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية. ولم يصدر اي قرار عربي سياسي حتى الان يطالب بإنهاء وجود اسرائيل على حدود عام 1948 ما عدا بعض فصائل المقاومة الفلسطينية مثل حماس والجهاد . وبالمناسبة فإن صفقة القرن ما هي الا صناعة اسرائيلية – امريكية مشتركة تنفذ بإرادة صهيونية، وتهدف لتغيير خارطة المنطقة جغرافيا، وسياسيا، واقتصاديا، والاعلام الاسرائيلي المباشر، وغير المباشر مؤثر بها في اوروبا، وامريكا، وروسيا، ووسط العالم، والأمر يحتاج لاعلام عربي اقوى تأثيرا.
والطرفان المتأثران هما فلسطين، والاردن، اولا، وباقي العرب من مسلمين ومسيحيين ثانيا، والكل متأثر نهاية المطاف، وهدف اسرائيل بعيد المدى هو نشر اجنحة اسرائيل الكبرى، لذلك نلاحظ بأن حراك جلالة الملك يسير دون كلل أو ملل، وباسم العرب، وليس باسم الاردن فقط.
وحري بنا ان نلاحظ هنا غياب عدالة القطب الواحد الذي تريد له امريكا ان يبقى، وأن لا يعترف بالآخر إلا من زاوية استخدامه لأغراض اقتصادية وسياسية ولوجستية، ويدعو لسباق التسلح، ويبقي على اسرائيل بالذات نووية السلاح، ويمنع العرب وايران من امتلاكه، وروسيا في المقابل قطب نووي هام جدا وجبار، ومنافس لأمريكا بحكم تمسكه بالقانون الدولي عبر اوراق مجلسي الأمن والأمم المتحدة. وهو مناهض لصفقة القرن المشبوهة والمشئومة، ولأسرلة الجولان، وينادي اسرائيل بالانسحاب لحدود الرابع من حزيران، ويدعو لدولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، واحترام المواثيق والمعاهدات الدولية.
وفي سوريا تم الاتفاق مع الاردن في منطقة خفض التصعيد الجنوبية، ومع تركيا في الشمال، وتمكن، اي القطب الروسي، من مصادقة كل من تركيا، وايران، ولم يلجأ لمماحكتهما على طريقة امريكا، بل على العكس، دخل معهما في البناء النووي السلمي، وبصفقتي الصواريخ C300 و C400 حسب حاجتهما الدفاعية، وترك الباب مواربا في سورية للضربات الاسرائيلية لتجمعات وحراكات ايران وحزب الله في المقابل، من زاوية حق اسرائيل في حماية امنها، ولكن على حساب سيادة سورية التي تقع بالكامل تحت مظلة الحماية الروسية اكثر من اية حماية دولية أخرى، وهو ما ننتقده نحن العرب واعلامنا، ونستغربه، وندعو روسيا لإعادة النظر حوله. وأمن سوريا، وبلاد العرب لا يقل أهمية عن امن اسرائيل بكل تأكيد.
ولا يفوتنا هنا بأنها دولة محتلة، وعنصرية، واستيطانية، وتمارس النازية على ارض فلسطين تحديداً وغزة خير مثال.
وفي برلين بتاريخ 17/9/2019 فإن جلالة الملك عبدالله الثاني بحضور ميركل تحدث عن ثقل اللجوء السوري على الاردن، وتفهم المانيا لذلك. وحول انغلاق الحوار الفلسطيني الاسرائيلي، وعن مسؤولية الوصاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس بالنسبة للاردن. وبأن مسؤولية الحفاظ على القدس يحملها جميع العالم. وقول جلالته بأن التصريحات الاسرائيلية حول ضم مناطق غور الاردن في الضفة الغربية إليها، سيكون لها اثر مباشر على العلاقات بين الأردن واسرائيل، واسرائيل ومصر، وعلى اعاقة الظروف المناسبة لاعادة الفلسطينيين والاسرائيلين إلى طاولة المفاوضات. (انتهى الاقتباس)، واضيف هنا والكلام لي بأن تلويحا اردنياً يظهر في الافق لاحتمال تصفير معاهدة السلام الاردنية الاسرائيلية، وايصالها إلى ادنى مستوياتها، وهو ما سينعكس سلباً على المعاهدة المصرية الاسرائيلية كذلك.
وبتاريخ 23/9/2019 تحدث جلالة الملك عبدالله الثاني لقناة (ام. اس. بي. سي) الامريكية قائلا إذا ضمت اسرائيل اجزاء من الضفة الغربية سيترتب عليها اثر ضخم، وبأن حل الدولتين هو الامثل لانهاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلين محذراً من حل الدولة الواحدة، وأن تذهب اسرائيل للعنصرية.
وتأكيد لجلالة الملك بتاريخ 24/9/2019 من على منصة الامم المتحدة بأن استمرار الاحتلال إلى يومنا هذا مأساة اخلاقية عالمية. ومفارقة صادمة أن تكون الاراضي المقدسة، مهد الاديان الثلاثة مكانا للصراع، وللفصل العنصري، والنزوح القسري، والعنف، وانعدام الثقة، (انتهى الاقتباس)، وفي قول جلالته اعلاه رسالة صريحة من جديد لعدم اضاعة فرصة السلام بواسطة العمل عبر حل الدولتين، والقدس الشرقية، وهو ما تتفق معه موسكو.
واختتم حديثي هنا بأن العلاقات الاردنية الروسية متطورة، وبأن مكانة الاردن بالنسبة لروسيا محفوظة، وهي تتجاوز حسابات الاقتصاد حتى، وهي محتاجة على الارض لزيادة حجم التبادل التجاري خاصة في مجال الصادرات الاردنية إلى روسيا. ونجاحات اردنية روسية في مجالات الاستثمار وفقا لبروتوكول 2017، وحجم تبادل تجاري وصل إلى 602.5 مليون دولار، وهو مرشح للارتفاع، واعمال دبلوماسية ناجحة وملاحظة يقوم بها سفيرنا الاردني في موسكو أمجد العضايلة، وسفير روسيا في عمان غليب ديسياتنيكوف، وعلاقات دافئة وشخصية بين صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني، وسيادة الرئيس فلاديمير بوتين، وزيارات متبادلة ومستقبل مشرق لكلا البلدين الصديقين الاردن وروسيا.