ذاتَ يوم دار هذا الحوار بيني وبين إحدى الصديقات: شهد... كيف أكون سعيدة في حياتي، علماً أنَّني أقوم بعباداتي على أكمل وجه، وأهتم بنفسي جيداً، وأسافر وإلخ.. ولا أجد الراحة الكاملة والطمأنينة؟ فأجبتها: هل جربتي جبر الخواطر يا صديقتي؟! لكن سرعان ما اعْتَلَتْ ملامح وجهها علامة استفهام تَصْحَبُها علامة تعجب تعبيراً عن الدهشة من إجابتي! نظرت في عَيْنَيْها وأعَدْتُ إجابتي بكل ثقة: جبر الخواطر صديقتي... هي أيضاً عبادة وما أجملها وما أرقاها... فأنتِ عزيزتي إذا أردتِ السعادة الحقيقية، اجبري خاطر نفس تتألم ولا تتكلم... وفَرِّجي كرب المكروب... واقضي حاجة المحتاج.. فَفي ذلك تَكْمُن اللذَّة والسعادة بما تُقَدِّميه للآخرين لا بما تأخذين.
هنيئاً لك صديقتي إذا اختارك الله من بين الناس أجمع لتكون يدك هي اليد الممتدَّة... السبَّاقة للخير... فَيَضَع الله فيها قوة مباركة لِتُفَتِّش في قلوب الناس فَتَقْتَلِع أحزانهم وتغرس بدلا منها فرحاً وسعادةً تملأ الكون كله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أَحَبّ الناس إلى الله أَنْفَعَهُم للناس، وأَحَبّ الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كَرْبَه أو يقضي عنه دَيْناً أو يطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخٍ في حاجةٍ أحب إليّ من أن أعتكف في هذا المسجد – مسجد المدينة – شهراً، ومن كَفَّ غضبه سَتَرَ الله عورته، ومن كَتَمَ غيظه ولو شاء أن يمضيه لأمضاه مَلَأَ الله قلبه رجاءً يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى تُهَيَّأْ له أَثْبَت الله قدمه يوم تَزِلُّ الأقدام ".
فما أَجْمَلَكِ أَنْتِ صديقتي وأَنْتِ تسيرين بين الناس كالملاك الحاني جابرةً للخواطر... قاضيةً للحوائج ولو كُنْتِ أكثرهم إنكساراً... وتَذَكَّري أَنَّ الله لا ينسى كل لحظةٍ سَعَيْتي فيها من أجل سعادة أحد... كل ذلك السخاء في بَذْلِكِ لأشياء لم تُبْذَل لكِ يوماً... كل خطوةٍ خَطَيْتِها في جَبْرِ كسيرِ قلبٍ وأَنْتِ المغمورة بكسورك.
لو تَعْلَمين عزيزتي ما أَحْوَج الناس للكلمة الحانية والمواساة حتى تَطيب خواطرهم... فَكوني أَنْتِ الشخص المُسانِد والمُعاوِن... كوني أَنْتِ اللين في عالمٍ امتلأ بالقسوة... كوني لطيفة كالنسمةِ الباردةِ في نهارٍ مُلْتَهِب... كوني بَلْسَماً لِمَن حولك... كوني كَطَوْقِ النجاةِ لغريقٍ أَنْساه القاع أَمَل النجاة... كوني كالقمر يُنير الطريق لبائسٍ يسير في عتمات الليل... كوني كملاذ اللطف لشخصٍ على حافةِ السقوط في جحيم القسوة... كوني حُلماً وأملاً وانْتَشِلي ضحايا جراح الواقع... كوني أَنْتِ الاستثناء الجميل واكسري كل قواعد القبح من حولك... بِقَدْرِ المستطاع ودون استسلام كوني على وداد مع كل إنسان... خفيفةً... لطيفةً... فكل القلوب مليئة بما يُتعبها.
وأوصيك صديقتي إنْ وجدتِ ما يُغْضبك فَاكظمي غيظك، وإنْ كان بيدك أنْ تؤذي أحد فَكُفّي شَرَّكِ عنه ولا تَمَسّيه بسوء... وَانْتَقي كلامك بعنايةٍ حتى لا ترمي حديثاً لا يزول أَثَره بسهولةٍ، فَتَبْقى تلك الندبة بقلب أحدهم للأبد... دائماً كوني مُحْسنة وإنْ لم تلقِ إحساناً ليس لأجلهم بل لأن الله يحب المحسنين... واصنعي من نفسك روحاً يُحبها اللهُ أولاً، فَإِنْ أحبك الله أنزلكِ منزلاً مُباركاً وسَخَّرَ الكون كله تحت طَوْعُكِ وتحت أَمْرُكِ وجعل حبكِ في نفوسِ أهلِ الأرضِ والسماءِ.