اليوم هو الرابع عشر من تشرين الثاني ، ذكرى ميلاد ملك ، ميلاد الحسين بن طلال ، وهي الذكرى التي تأتي بعد غيابه عن الدنيا ، عشر سنوات ، وأكثر ، ولنرى في عيني عبدالله الثاني ذلك المستقبل.
لم يكن شخصا عاديا.هذا كان رأي من أحبه ، ومن خاصمه ، في هذه الدنيا ، استطاع ان يبني دولة حديثة ، التقط اللحظات النادرة في المنطقة والعالم ، وحولها الى سيولة وطنية ، شعب وتعليم وخدمات ودولة ، يروي لي احدهم عن تواضعه مع الناس ، انه كان في جامعة مؤتة في الكرك ، وصعد بطائرة هليوكبترللعودة الى عمان ، قاد الطائرة وارتفع بها ، غير انه لم يلبث ان شاهد عجوزا تصرخ وتؤشر عليه واليه ، ويحاول كثيرون منعها لان الطائرة ارتفعت ، رآها بعينيه ، فهبط بالطائرة الى الارض مجددا ، ونزل منها ، وتوجه الى السيدة ، سامعا شكواها ، منصفا اياها ، لم يكن يخاف الناس ، كان من بينهم ، واتصاله الكيميائي بالناس ، طبيعي ، يترك بصمة على من امامه ، ربما يأسره من شدة الاثر ، فلم يغب الحسين عن ذاكرة الناس ، برغم انه رحل ، ولابيت في الاردن ، الا وفيه للملك قصة ، تعليم علاج او انصاف او بناء بيت او عفو ، دخل كل البيوت ، ولم يخرج.
في ذكراه يستحق الملك ان نكرمه بكل الوسائل وان يكون يوم الرابع عشر من تشرين الثاني يوما لاننساه ، وهو ايضا ، يستحق منا ان لايغيب طوال العام ، وان يبقى حاضرا ، لانه ليس مجرد ملك كان صاحب سلطة وسلطان وجند وموظفين ، كان أكبر من ذلك بكثير ، كان زعيما ، يروي احدهم انه في ليلة ليلاء خرج بسيارته وحيدا يقودها فوقف عند الاشارة الضوئية ، فوقف الى جانب سيارته وكانت الساعة الثالثة ليلا ، سائق تاكسي ، فعرف الملك ، وسّلم عليه ، وطلب من الملك شيئا للذكرى ، فخلع الملك ساعته من يده ، واعطاه اياها ، حتى لم يصدق سائق التاكسي القصة حتى يومه هذا.
الملك الراحل ، عظّم دور الاردن ، كان يعرف بسر غريزة الملوك ، ان الدور ينتزع انتزاعا ، ولايعطى من احد ممن حولك وحواليك ، كان مهيوب الجانب في كل المنطقة ، اذا طارت طائرته من عمان الى اي بلد ، وضعوا ايديهم على قلوبهم ، لانهم كانوا يعرفون انه يتحرك كثيرا ، ولايسمح بفرض اللحظة عليه ، يصوغها ، ينتجها ، وكان ينجح دوما في الخروج من العواصف ، وادامة وجود الاردن ، وجلب المكاسب للبلد ، وللافراد.احدى الحكايات تصوغ سره.فقد جلب له موظف كبير معاملة لمحتاج يريد ثلاثة الاف دينار ، فوافق عليها الملك ، وبعد يومين عاد الموظف ليقول للملك انه تبين ان المحتاج اخذ مالا في مرة سابقة ، فغضب الملك ، وسحب المعاملة بعنف من يد الموظف ، وزاد صفرا ، على اصفار الثلاثة الاف ، ليصبح المبلغ ثلاثين الف دينار ، قائلا للموظف (انا كساب وهاب ، وليش الله خلقني ملك ، من اجل ان اساعد الناس ، خليهم يوخذوا يااخي شو مغلبك انت؟.).
رحم الله الحسين ، فقد ابكانا في رحيله ، حتى ظنناه لم يرحل.
mtair@addustour.com.jo