الذين عرفوا الراحل الاستاذ حازم المبيضين منذ دخل دار الإذاعة الأردنية شاباً يافعاً في عمر الثامنة عشرة، يقرون بأنه كان ذا وعي مكتمل، ساعده على ارتياد الإعلام بكل صنوفه محرراً ومذيعاً وكاتباً ومدير تحرير، تدعمه ثقافة واسعة وشغف، ممزوج بالهدوء المكثف، والنزوع لعدم المغالبة في الحياة والقناعة بما يحصل عليه.
بيد أنّ الحضور الذي يكشف للنظرة الأولى عن شخصية صلبة، لا تنفرج بسهولة، سرعان ما يذوب أمام أي مسألة انسانية، فتظهر صورة أخرى عنوانها البساطة وحب الحياة والخير والكرم العميم الذي هو متجذّر في عائلة الراحل.
نعم أكتب عن اخي وابن عمي الاستاذ حازم مبيضين، الذي كان مرجعية وصاحب رأي في كل شيء يعرض واطلب منه الرأي فيه، فيرشدني إلى الصواب، وهو وإن كان مُقلا في الخِلطة، إلا أنه حين يحضر ويحبك يأتيك بكل ما لديه، وحين يجد في مقالي اخطاء طباعية او نحوية كان يبادر ويتصل هاتفياً ويؤنبني على مسؤوليتي عن مقالتي ويرى أنه من غير اللائق أن أقع بما وقعت به، وكنت اعتذر، لكني كنت أرى في ذلك الاتصال ودّاً كبيراً وفرصة للتعلم.
سافرت معه وتعلمت منه، وكان معنا رفاق، وكان الكثيرون من رفاق النضال الفلسطيني العروبي يسألوني عنه، وعن قرابتنا ببعض، وكان حازم مُشرفا لنا، وغنيا بذاته التي يعرفونها عنه.
عرفه الأشقاء في النضال الفلسطيني مبكراً، إذ عمل مع الراحل ابو عمار، لكنه كان اقرب إلى الرئيس ابو مازن منذ كان مديرا لمكتبه في دمشق، ثم مع منظمة التحرير في الجزائر وفي تونس.
سافر للعمل في تأسيس إذاعة الشارقة اواسط السبيعنيات، وكتب في مجلة التراث الشعبي، التي كانت تصدر عن وزارة الثقافة الأردنية، كما كتب في الصحافة العراقية وخصوصاً صحيفة «المدى» التي كتب بها منذ صدورها وحتى شهر آب 2014، بالإضافة إلى «الرأي» الأردينة وغيرها من الصحف والمجلات العربية والكردية، وبين كتابة المقال المحلي والمقال العربي في صحف خارجية كان حازم ملتزما بقضايا الوطن والعروبة، وموجعا دوماً على فلسطين ومصائرها، كما كان تحريراً ونصيراً مميزاً للقضية الكردية وارتبط بعلاقة مميزة مع القيادات الكردية امثال الرئيس العراقي الرحال جلال طالباني والملا حكمت بختيار.
أبو قصي كان من اصحاب اللغة العالية، كتوم وكريم، وهو بئر من أسرار الساسة والمناضلين، والعارفين بالكثير مما كان يجب أن يظلّ في مخبأه باعتبار حصاد الزمن المر، لكنه حين كان يقع الخطأ من قبل البعض بحق البعض في النضال الفلسطيني لا ينفك يدافع عن الحركة الوطنية الفلسطينية ويدخل معاركها وخصوماتها العديدة.
صفته المركزية ككاتب، أدار حولها بلباقة المزايا الأخرى في شخصيته من جرأة وشجاعة وكرم، ولم ينفك يؤكدها، ويعيد تأكيدها كتابةً وشفاهةً، ويسحبها على كل الحوادث. إلا أن أحبّها إليه هي تلك التي يلتبس فيها الكاتب بالمناكفة والدور الاعتراضي كمثقف، ينتقد أخطاء الوزراء والساسة في وطنه دون هبوط أو اسفاف، فظلّ عالياً على الانحدار في زمن مليء بالزبد الإعلامي.
بين حازم الشاعر والأديب والكاتب النيّر العقل، السليم النفس، نقف اليوم أمام ذكراه العطرة وحضوره المشع وصداقاته وسجل المودات الذي كان من صنعه ودابه، الذي بدأ مبدرا من أصدر العام 1973 ديوانه الشعري «بيادر القمر»، وهو المولود في عمان 1947، ووالده الوجيه عبدالكريم المبيضين الذي كان من طبقة الإداريين الأردنيين الكبار، وكان آخر عمل له قائم مقام في وزارة الداخلية في لواء الرمثا.
الدستور