ان حالة التعنت والطريق المسدود التي وصلت اليها قضية المعلمين وحكومة الرزاز لا تشي بأمل، ولا تعد بمصلحة تتحقق لأحدهما، ولا تسر الخاطر، والخاسر هو الوطن ووحدة الامة، وانشغال الجميع بقضية يمكن تجاوزها وتعديها لما هو أهم وأدهى. الا إذا كانت إدارة الازمة بهذا الأسلوب مقصودة لتمرير اهداف أو اجندات أو مرامي، ابعد مما نضن أو نتوقع، تدور في خلد الحكومة وأولي الأمر.
إنَ حالة التحدي والمكاسرة بين الطرفين يدفعها ويحركها دافعين: حقوق المعلمين وايمانهم بقضيتهم بانها عادلة ومنصفة، حسب تصريحات القائمين على النقابة وتشددهم على إنجازها، ودافع تعنت ورفض الحكومة للنزول عند مطالب النقابة من باب عدم الإمكانيات المادية، وضيق ذات اليد ظاهريا، وإما دوافع باطنة لا نعلمها لغاية الان، حيث معظم قرارات الحكومة المتعلقة بالقضية كانت تصدر من طرفها ومن فوق(إملاءات) على النقابة ابتداءا من العلاوات وانتهاءا بإحالة القضية الى القضاء.
كأنما تشعر الحكومة بالخجل من الجلوس مع أصحاب القضية او ينتقص من قدرتها وهيبتها، حيث قوانين التفاوض تفترض النية الصادقة في الوصول الى حل من كلا الطرفين والجلوس لطاولة التفاوض بأريحية وقناعة للوصول لنتيجة مرضية لكليهما، والا تبقى القضية عالقة لان أحد الطرفين لا يرغب بالحل.
يقول الملك الحكيم الراحل الحسين بن طلال رحمه الله (مشاكل العالم العربي هي في أغلب الأحيان نتيجة أخطاء الزعماء والسياسيين، وليس الشعب (.
ونحن نقول وكل العاقلين بالبلد: ان الوطن ومصلحة الامة -التي هي أساس كيان ووجود الدولة – هو الأهم من انكسار إرادة الحكومات، او شعورها بالهزيمة امام مطالب نقابة او طبقة او فئة تحس بغبن او ظلم او انتقاص من حقوقها، او فقدانها لبعض مقومات الحياة الأساسية كالمأكل والمشرب والملبس والأمان والاستقرار النفسي، وهي معظمها يحققها الراتب العادل، وتكافؤ الفرص. فماذا يعني ان تتراجع الحكومة امام رغبة المعلمين بل وتنحني، أليست الحكومات وجدت لخدمة الشعب.
فلتجلس الحكومة وتفاوض وتسمع لهؤلاء وغيرهم، وتعدهم بتحقيق مطالبهم، (وإنْ على مراحل لثلاث او خمس سنوات)، فتهدأ النفوس ويخرج الجميع راض ورابح ومنتصر. فلتتواضع وتنحني الحكومة امام العاصفة، ولتنثني لتمرير سخط وغضب هذه الفئة الممثلة لنصف الامة، أليست الدبلوماسية والسياسة تقتضي مدارات الامة ولين الجانب مع الشعب، وإبقاء شعرة معاوية، فلماذا تعاند الحكومة وتناطح وتكابر بالمحسوس؟؟
إذا كانت الحكومة غير قادرة على احتواء الازمة وضم ولم أبنائها ورعاياها تحت عبائتها، (فلتشرك طرفا ثالثا حكيما ليحل الازمة)، وإلا فلتنسحب وتترك الامر لأهله، وتعطي القوس لراميها الحذق والفرس لخيالها الفارس المقدام (لإن الأمة أهم من الأشخاص مهما كانت مراكزهم) كما يقول الراحل الحكيم الملك الحسين رحمه الله. فالأهم أن يبقى الوطن، وليس الشخوص والحكومات المأزومة.
فكيلا يتسع الفتق على الراقع، ولا تتعمق الهوة ونندم ولات حين مندم، فليجلس وزير التربية (الطبيب) ويشخص المشكلة بمنطق علمي وطبي صحيح كما تحتم عليه مهنيته كجراح ليداوي الجرح ويلئم الفتق، أو فليعطي منصبه لأصحاب الاختصاص التربويين وهم كثر في الأردن.
أما أن تبقى القضية تراوح مكانها شهر، وربما أكثر، فهذا عجز واضح، أو سياسة مقصودة لتمرير اجندات وقرارات تستوجب الهاء الامة واشغالها بأزمة، تدخل جميع الأسر الاردنية فتدع الحليم حيران والآمن في توتر وضيق واضطراب، لأن وراء الأكمة ما وراءها.
فان شرعية أي حكومة على البقاء والاستمرار هو إيمانها ببلدها وأمتها وتصميمها على حل مشاكلهم وجعل حياة أبناء الوطن مستقرة وآمنة، وليس ارهاقهم وإقلاقهم وتوتيرهم. فالأردنيون من خيرة الشعوب وأكرمها، فلطالما اقتسموا العيش والملح والماء مع إخوانهم وجيرانهم وفتحوا منازلهم وقلوبهم لكل قاصد وداخل، بطيب نفس ورضى ومحبة، وهم صابرون ومرابطون ومؤمنون بواقعهم وامكانيات بلدهم، والتحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تحيق بهم، ويتحملون جميع أخطاء الحكومات ومصائبها وضرائبها ورسومها.
لطالما كان الأردنيون متعاونون مع الجميع والحكومة إذا انتختهم لفعل الخير، ويصبرون على ضنك العيش وظلم وجور بعض المتنفذين، ولكن إحذروا الكريم إذا أهين، والحليم إذا أحرج، والصابر إذا نفذ صبره، والفقير إذا لم يجد قوت عياله، وكما قال الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري حين زار بلاد الشام واطلع على واقع حياة الوالي معاوية بن ابي سفيان وحاشيته من البذخ والرفاه وبالمقابل فقر وضنك العامة قال: (عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الوالي بسيفه) ... أقول هذا تذكير ونصح وليس تثوير وفضح، ومن باب الحرص والغيرة على الوطن والحكومة والأمة والله من وراء القصد