كيف يمكن لالبحث العلمي أن يكون مصدراً وأساساً للتطور، في بلدان، وأن يكون هو ذاته مظهراً من مظاهر التخلف في بلدان أخرى؟!.
هذا ما يسمى بآلية انتاج التخلف. فالمجتمعات لا تتخلف بذاتها. بل هناك آليات خفية، تعيد انتاج الأشياء بشكل متخلف، مكرسة إياه سمة للمجتمع. حتى لو كان هذا الشيء هو العلم ذاته.
في بلاد خلق الله، جرى تكريس فكرة ومفهوم البحث العلمي والتطوير، بآليات قانونية وادارية ومجتمعية، أساساً لتقدم وتطوير المجتمع. وفي بلادنا، تم إعادة إنتاج هذا المفهوم، على أنه مجموعة أبحاث في العلوم الإنسانية، كالسياسة والدين والأدب. أبحاث تكتب، ثم تُعرض في مؤتمرات وندوات، ثم تستقر في أدراج. ولا داعي للتذكير هنا بمصير هذه الأبحاث، بعد ان تمتلئ بها الأدراج وتضيق.
قبل مئة وواحد وثلاثين عاماً، سمعت البشرية بخبر أول مكالمة هاتفية أجراها ألكسندر بل مخترع الهاتف. في ذلك الوقت، كانت نوكيا عبارة عن شركة فنلندية تصنع الورق والمطاط، ومضى على تأسيسها ست سنوات.
الشركة استعارت اسمها من نهر نوكيا نفرتا الذي تقيم على ضفافه. وبدأت منذ ذلك التاريخ، بالتحول إلى شركة هواتف. وأصبحت خلال قرن وثلث احدى أكبر شركات الهواتف والاتصالات في العالم.
نوكيا الآن تسيطر على أكثر من ثلث سوق الهواتف الخلوية في العالم. وتنفق نحو أربعة مليارات يورو سنوياً على البحث العلمي والتطوير.
نوكيا الشركة شيء، وفنلندا الدولة شيء آخر. الدولة تنفق على البحث والتطوير نحو خمسة ونصف بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. وهي نسبة من أعلى النسب في العالم. ويساهم القطاع الخاص بثلثي هذه النسبة، في حين تساهم الحكومة بالثلث المتبقي.
نوكيا، هي أكبر الشركات في فنلندا على الإطلاق. والفنلنديون يعتبرونها أحد أهم رموزهم الوطنية(!). فهي من أعطت فنلندا موقعاً على خريطة الاقتصاد العالمي.
ولأنه ليس من السهل أن تتحول شركة خاصة إلى رمز وطني. فحين تعرضت نوكيا لأزمة مالية في أواخر الثمانينيات، قام مديرها التنفيذي بالانتحار، كي لا يواجه الناس بالعار الذي لحق به، وبالتالي بوطنه.
أفراد كثر يعرفون سرّ الدوران في الدائرة المفرغة المسماة بالبحث العلمي في بلادنا. ويعرفون أيضاً كم من المؤسسات جرى تأسيسها، لإعادة إنتاج الفراغ. ولكن الأعجب، عربياً، ان يعاد تأسيس مؤسسات بحث علمي جديدة، بنفس الوجوه والأسماء، ومن دون أية محاولة إبداع.. ولو على سبيل التمويه أو التخفي..!!.
FAFIEH@YAHOO.COM