سمير أبوهلالة والعشيرة المسيسة
ياسر ابوهلاله
13-11-2009 04:09 AM
يتحسن سمير أبوهلالة ببطء قالت الطبيبة المشرفة عليه في مركز الحسين للسرطان، وفي إجابتها عن أسئلتي كانت تقول إنه "عنيد". وتلك خصلة لم تفارقه حتى في مواجهة أخطر الأمراض. في آخر اتصال معه كان منطلقا كعادته وعلى قوله" تفاقيد الله رحمة".
ليست مناسبة للتضامن الإنساني فحسب مع سمير، بل هي فرصة للدخول في نقاش جدي حول تسييس العشيرة، فسمير ابن عمومة ووالدي ووالده أولاد خالات، لكننا كنا نختلف سياسيا، وكنت أستغرب في صباي كيف يكون في العائلة "بعثي" وهي التي ظل يغلب عليها الطابع الإسلامي.
في معان الثمانينيات كان في العشيرة من يساند الخميني في الحرب العراقية الإيرانية، وثمة من يساند صدام، وفي الستينيات وقف الوالد في الانتخابات ضد مرشح من العشيرة داعما يوسف العظم الذي قدم والده من الشام ولا عشيرة له في معان. لم تكن العشيرة وحدة سياسية، ظلت وحدة اجتماعية إنسانية.
سمير، الذي كنت اختلفت معه سياسيا، لم نتنكر للمودة في القربي، واقتربنا سياسيا على قضايا كما ابتعدنا. اقتربنا كثيرا في أحداث معان 2002 عندما تجاورنا في الزنازين، لم أعرف أنه اعتقل معي بعد مشاركته في نشرة أخبار الجزيرة إلا في الفحص الطبي قبل دخول الزنزانة.
كنت مغطى العينين ولم يكن مسموحا تبادل الحديث، يومها اكتشفت أنه يشكو من جملة أمراض ويحتاج أدوية.
لم نكن نرى العالم من ثقب معان، كان وما يزال أفقنا إنسانيا. غير أننا في انحدار السياسة في الأردن اكتشفنا أننا معانيون!
اجتمعنا أول مرة في بيتي مع جمع من شبيبة معان في أحداث 1998، " يا وحدنا" لم تكن استباحة المدينة، التي انتفضت تضامنا مع العراق شأنا يخص أحدا غير أبنائها (وليث شبيلات!) وتكرر ذلك في الأحداث اللاحقة.
بقايا صور تذكرني بسمير قبل الصحافة، في راس النقب حيث أقام بعض العائلة كان عرس شقيقه وفيه أطلقت الرصاصات الأولى من مسدس "سبشل"، علمني العم أبو ماجد الذي أمضى عقودا في لواء الحسين بن علي كيف أمسك السلاح، وفي العرس تتعلم كيف "تنقط" وتشارك اجتماعيا، وتكافأ بكيس "الفروق".
وفي الصور صورة والده الكادح المثقف في الشركة الوطنية، وصورة عمه الشيخ يونس الذي صدرت إرادة ملكية بتعيينه قاضيا عشائريا عام 1935، في ديوانه كانت ولائم الأفراح والأتراح. لم يكن الشيخ الحقيقي لا أشباه الشيوخ المنتشرين بكثرة هذه الأيام ينازع السياسيين، في الديوان كنت تسمع مداعبات سليمان عرار وأراءه السياسية، وكان طبيعيا أن يختلف سمير مع سليمان رئيس مجلس النواب.
تظل العشيرة لبنة أولوية في حياة البشرة، وحدة اجتماعية يتآلف فيها الناس، لكنها ليست إطارا سياسيا، فلا أحد يختار عشيرته، لكن يختار خطه السياسي والفكري. وهي ليست بديلا عن الدولة ولا عن أشكال التجمع الحديثة. والنبي الذي بعث رحمة للعالمين سأل عشيرته "المودة في القربي" فليس من رابطة أقوى من رابطة العائلة، لكن ليس بالضرورة أن يتفق الأب مع أولاده سياسيا.
تحولت العشيرة في معان إلى وحدة سياسية وتحولت المدينة نفسها إلى هوية سياسية بسبب فشل الدولة، وتدمير الحياة السياسية. عادت الناس إلى اللبنات الأولى؛ عندما يتعرض واحد من أبناء العشيرة للظلم ولا تنصفه الدولة ولا تتضامن معه القوى الحديثة تتحرك العشيرة فالمدينة تضامنا معه.
سيقوم سمير من المرض، بلطف الله، أكثر عافية وتحديا، وسنظل نختلف ونتفق نقترب ونبتعد .. سياسيا وفكريا، أما عشائريا فنحن لا نملك إلا أن نظل عيال عم.
yaser.hilala@alghad.jo
الغد.