ما يجري على الصعيد المحلي لا يمكن غض النظر عنه ولا يمكن دفن الرأس في الرمال وكأن شيئا لم يكن، فساحتنا المحلية حبلى بغيوم باتت تؤثر بشكل واضح على نسيجنا سواء الاجتماعي او الفكري او الاقتصادي او السياسي.
ولعل ما كشفه تقرير نشره مرصد مصداقية الإعلام الاردني (أكيد) اول من امس حول ارتفاع عدد الإشاعات خلال شهر أيلول إلى 48 إشاعة، مقابل 42 إشاعة و43 إشاعة في شهري آب وتموز الماضيين على التوالي، وقد تصدَّرت الإشاعات المتعلّقة بالشأن السياسيّ في شهر ايلول العدد، بــ 24 إشاعة15 منها حول إضراب المعلمين، فيما ارتفع عدد الإشاعات المتعلّقة بالشأن الاجتماعيّ إلى 10 إشاعات.
وفي تقريره تناول مرصد (اكيد) عبر منهجيّة كميّة وكيفيّة، موضوعات الإشاعات المنتشرة عبر المواقع الإخباريّة الإلكترونيّة، وشبكات التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام، مبيّنا أنّ حِصّة المصادر الداخليّة، سواء منصّات التواصل أو المواقع الإخباريّة، من حجم الإشاعات لشهر أيلول بلغت 44 إشاعة، فيما صدرت 4 إشاعات عن جهات خارجيّة، وتبيّن أنّ 40 إشاعة كان مصدرها وسائل تواصل محليّة، فيما صدرت إشاعتان من منصّات تواصل عربيّة وصفحات أردنيين في الخارج .
إذا خلال الاشهر الماضية كانت الاشاعات تملأ الاجواء، والقيل والقال لا ينتهي، واخبار كاذبة تسيطر على مجالسنا وفضائنا الالكتروني ومواقعنا الاخبارية، فما ان تنتهي اشاعة، حتى تحضر غيرها، وكل يوم خبر بعضه صحيح وبعضه كاذب، والأنكى اننا بتنا نتحدث عن تلك الاخبار سواء صحيحة او كاذبة، وبات الكثير منا يتعامل معها وكأنها حقيقية واقعة دون التأكد من مصادرها او صدقيتها، فبات البعض يتناقل اي خبر عبر صفحاته الخاصة او عبر تطبيق (واتساب) دون تأكد او تمحيص.
مقولة ان الخبر فن، فطريقة كتابة الخبر غابت عن بعضهم، وما كنا نتعامل معه في عالم الصحافة والإعلام حول فن الخبر واهمية تمحيصه من مصدرين معروفين على اقل تقدير لم يعد معمولا به عند الكثير من اولئك الذين ينقلون الخبر الينا عبر متصفحهم الازرق او من خلال منصات الكترونية.
مؤلم ان ذاك النهج يغيب عن الكثير، ومؤلم ان ننزلق الى مدارك لم تكن يوما تحضر في عالم الصحافة والاعلام تحت اي مبررات، اذ لم يعد فن الخبر وطريقة التعامل معه حاضرا باستثناء اولئك الذين يعملون في الصحافة الذين يحرصون على نقل خبر دقيق ومعلومات دقيقة وكشف قضايا غير معلومة، فذاك عند بعض من يتسيدون صفحات (فيسبوك) ذهب ادراج الرياح، وبعضهم يستسهلون الخروج علينا عبر فيديوهات للحديث حول معلومة ما لتصبح تلك المعلومة التي قد لا يكون لها اصل او وجود حديث صالوناتنا السياسية ومواقعنا الافتراضية.
بطبيعة الحال ليس كل ما ينشر او يقال مجرد اشاعات ولا كل ما يقال عبارة عن معلومات مغلوطة، ففي ثنايا بعض ما يتداول معلومات صحيحة، وشبه مؤكدة، والمؤسف ان تلك الحقائق تذهب ادراج الرياح، وتذوب امام سيل اشاعات مفبركة تشغل الرأي العام ولا تجد الحقائق التي تقال آذانا مفتوحة كما يتم التعامل عند الكثير من الناس مع الاشاعات.
ارتفاع وتيرة الاشاعات وتصديقها من قبل عامة الناس يؤشر لقضايا مجتمعية خطيرة يتوجب ان يتم أخذها بعين الاعتبار ابرزها فقدان الثقة ببعض مؤسسات الدولة وسهولة تصديق ما يقال، وهذا لا يتحمل مسؤوليته مطلق الاشاعات فقط بقدر ما تتحمل مسؤوليته الدولة ايضا.
فالسلطة التنفيذية عليها ان تلحظ ان ارتفاع وتيرة الاشاعة ان دل على شئ انما يدل على فقدان الثقة بالحكومات، وان سبب ما نعانيه راهنا يدلل على غياب الشفافية بين الحكومات وافراد المجتمع، ولذا فإن محاربة الاشاعة يبدأ في المقام الرئيس بتعزيز مبدأ الشفافية والمكاشفة فذاك بداية الطريق للحد من أعداد أولئك الذين يتعامون مع الاشاعة كأنها أمر واقع وتصبح حديثهم في مجالسهم وصفحاتهم الافتراضية.
الغد