ازمة المعلمين والمازق الذي عاشه الاردن خلال الاسابيع الماضية كشفت عن العديد من الحقائق التي بينت اننا ما زلنا نعيش في غيبوبة فكرية نكذب فيها على انفسنا ونمارس فيها الازدواجية ما بين التنظير المثالي نحو الاصلاح والتطوير وبين تطبيق وممارسة الظلم والفساد الذي اصبح علني .
منظومة الدولة الاردنية التي كنا نتطلع ان تكون مثالية وسط زحام القهر والاستبداد في المنطقة , نتفاجأ بها تعيش بيد حفنة من الذين لا يرون بها الا مصلحة وغايات ومنافع وعلى حساب الغالبية , والجمع الكبير ..
فبينما نتسابق ونتشدق بالحديث عن الانظمة والقوانين في دعم رواتب الموظفين المعدمين في القطاعات المختلفة نجد ان هذه القوانين معطلة ومقزمة ومشلولة في التعامل مع رجالات الهيئات والشركات المملوكة للحكومة التي تستحوذ على موازنات الدولة الظاهر منها والمخفي .
ازمة المعلمين بينت ان مسيرة الحكومات تمثيليات لقضاء مراحل والابتعاد حاملة م فقد تعودنا ولادات قيصرية جديدة وعفى الله عن ما مضى كلما رحلت حكومة وجاءت غيرها وليتحمل الوطن والمواطم كل الاخطاء والفسادء والتعفن الذي تراكم في هذه السنين . ؟!,.
ان التبرعم الذي احدثته و تحدثه هذه الحكومات ما كان إلا وبالا ونكسات عظيمة بحق الوطن والمواطن . فالتبرعم خلف لنا اناس لا يتقنون الا الفساد والظلم المالي والاداري وانبثق عنه عدم المساواه والتعنصر , الذي لا يعرف إلا المصالح الخاصة , فاطلقوا اصحابه لانفسهم العنان في انشاء مؤسساتهم وهيئاتهم وشركاتهم وبأسماء برروها قانونيا ليتميزوا عن الاخرين وليعطوا لانفسهم صلاحيات تفوق صلاحيات انظمتنا وقوانينا التي لا تنطبق إلا على المواطنين المللتزمين الصابرين على صمت الحكومات وغوغائية السلطات التشريعية والرقابية .
ازمة المعلمين كشفت ان الانسان الاردني يعيش في اضحوكة الكرامة , فليس المعلم نفسه من يجره اصغر شرطي بل نجد انه لا كرامة لمتعلم ولا موظف دولة ولا شيخ عشيرة ولا (ابن ناس) فالداخلية دولة لوحدها والاجهزة الامنية دولة لوحدها , والخارجية عالم آخر , والديوان حدث ولا حرج , والتخطيط اناس ذا صبغة اخرى ، والهيئات المستقلة طبقة عالية , وشركات الحكومة , اناس فوق العادة , فماذا بقي للمواطن العادي . فأين الدولة المدنية واين القوانين التي ننظر بها ليل نهار . نتحدث عن كرامة المواطن وقد اصبحت في خبر كان امام ممارسات هذه المملكات الصغيرة التي دافع عنها اصحابها دفاع المستميت .
ازمة المعلمين فتح اعيننا الى حقيقة مهمة ومتصاعدة مفادها الحاجة لاعادة العمل على تبني نظام رواتب واحد وحوافز متشاببه للقطاعات الوظيفية في المملكة والغاء انظمة التمييز والتفرد الذي نشاهده ويفسد مفاهيم الصبر والانتماء الوطني ؟ فنحن بامس الحاجة للشعور بالعدل والمساواه وبعد قرارات الحكومة المجحفة بموضوع التقاعدات الاخيرة واللاحقة ان يطلق الرئيس وبما تبقى له من اشهر ثورة بيضاء على كل انظمة الرواتب وتوحيدها وفقا للمسؤوليات والخبرات والمستويات الوظيفية، والبدء بمحاسبة من استغل الوظيفة لمصالحه. ولابنائه وانسبائه وجيرانه وكأن الدوائر الحكومية او المملوكة للحكومة او الهيئات ما هي الا مزارع للعائلات المصونة .
ازمة المعلمين كشفت ان اداراتنا الحكومية ادارات عاجزة عن التعامل مع ابناء طيفها ليس لإضملال الحلول بل لعدم وجود الاستعداد للتفكير بمصلحة الوطن والرؤى المستقبلية لمقومات الوطن , لم نجد الوطن موجود في الحلول المطروحة بل وجدناه كلمات يتشبث بها المتخاصممون من اجل التنظير الفارغ والكلام المعسول ، فاذا قدمت الحكومة حلولا مادية وزيادات بعد 3 اسابيع من النقاش , فلماذا لم تقدمها منذ البداية وتبدأ منها ما دمنا نؤمن باهمية المعلم , ولماذا لم يؤجل المعلم اضرابه لما هو بعد بداية العام الدراسي , للابقاء على صلة الطالب بالمدرسة وحماية لابنائنا الطلبة ,والعملية التعليمية ؟
قلنا ونقولها نحن مع المعلم ومع الموظف الجديد والعسكري المرابط والشرطي المكافح وكل مستخدمي الدولة في تحقيق كرامتهم المسلوبة باعادة الهيبة لهم بالعدالة والمساواه والشعور بانه لا موظف افضل من موظف الا بالعطاء والجد والمثابرة ، وان مفهوم الحقوق والواجبات هو الاساس الذي يحققه القانون , لا الشللية والاقلمية و الطائفية .
ازمة المعلمين كشفت عن تهلل النظام الحواري بين المؤسسات الوطنية وبينت اضمحلال الثقة بين المؤسسات فيما بينها وكذلك بين المواطن وبينها وهذا يتطلب اعادة هيكلة هذه المؤسسات ورفدها بما لهم الثقة التي تسترجع ولوجزء يسير من هذه الثقة المفقودة والتي اثرة بشكل واضح على كل نتائج ما سمي بالحوار. فعلى الحكومة ان تبدأ على الفور بدعوة الخبراء المتخصصين الصادقين باعادة النظر بالانظمة المالية والادارية والاقتصادية لتصويب المعوج منها وتطهيرها مما اصابها من تلوث ، ووضع الحلول والمقترحات التي تمكننا من رؤية بصيص النور , واعطاء الامل للناس , فقد مل الناس ونفذ صبرهم ؟
ازمة المعلمين كشفت عن خلل كبير في توزيع الثروة الوطنية واستئثار مجموعة بمعظم الثروة على حساب الغالبية , كشفت ان ازمات اخرى ستتبع ما دام خيط المسابح انفرط , فستجد المتقاعدين والمدنيين والمهنيين والعسكريين , وسنجد انفسنا وسط اضربات تشل الوطن اكثر مما هو عليه , وسنتذكر الايام التي كانت الفرص امامنا فاضعناها كصناع قرار .
ولعل السؤال الاهم المطروح , ماذا سنقول لأي اضراب في اي قطاع آخر اذا حدث , وهم سلفا على حق اذا ما تحدثوا عن الكرامة ولقمة العيش , هل سنقول لهم بنفس ما قلنا للمعلمين لا نملك الموازنة وبعد اسبوعين نقر الزيادة لهم وللمتقاعدين العسكريين ؟ أم نهددهم بقطع ارزاقهم بالفصل , ام باعتقالهم ( وبهدلتهم ) على لغة اهل الصومال ؟!
تخلت الحكومات عن رجال الوطن الاصليين وتبنت شخصيات هامشية مصطنعة تبرعمت وأخرجت ما اوصولنا لهذا المنقلب الخطير , فهل ينفع الندم , ام سنبقى نتحسس على الرأس ونقول راسنا سليم , ولا دخل لنا بالاخرين ! ام نقول للفاسد انت فاسد وذلك اضعف الايمان