"بوتين" والسعودية المملكة
د.حسام العتوم
30-09-2019 01:48 PM
تُعدُّ المملكة العربية السعودية قطباً عربياً هاماً وعملاقاً يتربع على قلب الجزيرة العربية، وعمقاً استراتيجياً لكل العرب والمسلمين، وزعيمة للعالم الإسلامي "السني" تحديداً إن صح التعبير، وتمتد على مساحة من الارض تقارب ال 2 مليون كم2، وتملتك حجماً ديموغرافياً من السكان يفوق ال 34 مليون نسمة، وفي عمق التاريخ الدولة السعودية الاولى1744-1818 وأسسها محمد بن سعود، والدولة السعودية الثانية، 1818-1891، على يد تركي ال سعود، والدولة السعودية الثالثة، سعودية الوحدة على يد عبدالعزيز ال سعود 1926،وتمتلك 25% من الاحتياطي العالمي للبترول، ومناجم للذهب وغير ذلك من المعادن الثمينة العديدة، وهي رابع دولة عالمية في احتياطي الغاز، بحجم 283 تريليون قدم مكعب على امتداد 103 حقلاً، وهي دولة صناعية متقدمة، وهي زراعية ايضاً وبمساحة تتجاوز ال 48 مليون هكتار.
وبالمناسبة فإن السعودية لم تولد فجأة على طبق من ذهب، كما نقول في شرقنا، والتفكير في البحث لديهم عن البترول بدأ قبل الوحدة، ومن صلب فكر عبدالعزيز ال سعود، ولم تتعاون بريطانيا وقتها مع السعوديين لاستخراج النفط، واكتشف النفط السعودي في عهد المؤسس عبدالعزيز ال سعود فقط عام 1933، وهو الامر الذي يعني لنا كيف ان السعودية عبرت طريقاً طويلاً من الكفاح والعصامية الى ان وصلت الى ما وصلت اليه من ازدهار وتفوق حتى القمة، ويدها دائماً مفتوحة للعرب وتقدم لهم العون دون كلل او ملل، ومشروع (نيوم) القادم بحجم 500 مليار دولار الذي يقوده ولي العهد محمد بن سلمان خير مثال.
كتب تركي بن عبدالله بن عبدالرحمن يقول في مؤلفه(السعودية – الموروث والمستقبل التغيير الذي يعزز البقاء (ص93))- فالتأسيس للدولة السعودية في مراحلها الثلاث مثلاً، كانت العوائق فيه هائلة ومتعددة وليست بالضرورة متطابقة، ومن الصعوبة بمكان لأي أُمة في مرحلة التأسيس، من حيث القدرات أو الزمن ، ان يحقق منجزها شخص واحد. وفي صفحة 94 منه كتب تركي بن عبدالرحمن يقول ايضاً( فالقدرات الحربية والتعامل مع الواقع والمصادر الجديدة وادارة الامور فيها تتطلب قادة مثل ابن وحفيد محمد بن سعود :عبدالعزيز وابنه سعود الكبير.
اما المرحلة الثانية من الدولة السعودية، التي كانت مرحلة انتقالية تعيد تأسيس الكيان بعد الدمار، وتحمي بقاءه من المخاطر، بخاصة بعد وجود محتل فيها، كانت تتطلب قدرات مختلفة. فكان تركي واضح الرؤية للمخاطر، فلم يتعدَ خطوطاً تعرّض دولته للخطر الجسيم،... ولم يمهل القدر تركي ليكمل ترسيخ الأمور، لكن ابنه فيصل كان يملك المواهب التي تكمل عمل ابيه، والمرحلة الثالثة توفرت في شخص عبدالعزيز( انتهى الاقتباس)، فكان البناء، وتواصل يعانق السماء حتى يومنا هذا من عام 2019.
ومن الطبيعي لدولة بحجم السعودية " المملكة" حققت نجاحات وتحولات على مستوى السياسة والاقتصاد، وحتى على المستوى الديني(حج وعمره) ان تشكل حولها شبكة واسعة من العلاقات والصداقات الدولية وبتوازن، وفي المقابل لا تأتي المشاكل والمنغصات الا من الجيران، ثم من الابعد وبالتدريج، وفي السياسة نعرف بانه لا توجد صداقات دائمة ولا عداوات دائمة، وبأن كل شيء متغير، وهكذا نجد بأن ايران لا يروق لها زعامة السعودية للعالم الاسلامي، ولديها مخزون شيعي داخل السعودية يتراوح بين 10-15% حسب شبكة ال CNN، ويزعج ايران ايضاً النمو الاقتصادي السعودي في مجالات البترول والغاز والحج (50 مليار متوقع حتى عام 2030)، او ان تكون قطباً عربياً واسلامياً قوياً، وفي المقابل تبقى اسرائيل هي اسرائيل المحتلة لأراضي العرب، ولا نقدم ايران في العداوة لنا عليها، ومع هذا وذاك فإن ايران مطالبة بسحب هلالها الشيعي من وسط العرب، وبالانسحاب من جزر الإمارات طنب الكبرى والصغرى، وابو موسى منذ عام 1971، وبعد التدخل في الشأن السعودي عبر اليمن، ومن خلال الفصائل الحوثية، وقضايا العرب الأولى بها ان يعالج العرب انفسهم، ولم اسمع بأن ايران حررت لنا نحن العرب شبراً واحدا، او اقتلع من انياب اسرائيل بجهدها، واقدر في المقابل اي دعم ايراني للمقاومة العربية بوجه الاحتلال الاسرائيلي الغاشم، ولا زالت الهضبة السورية ( الجولان) محتلة رغم الحضور الايراني العسكري، وعلى شكل ميليشيات و (حزب الله) في سورية.
ان علاقة السعودية بأمريكا تحديداً وباعتبارها تمثل القطب الأوحد عالمياً، متجددة منذ عام 1932، عندما اقتربت الشركات الامريكية من النفط السعودي، واصبحت امريكا مستوردة للمحروقات السعودية وبنسبة (47%) منذ عام 1991 وحسب موقع Stratfor الامريكي ، فان علاقات غزل سياسية بين طهران وواشنطن ظهرت مؤخراً بعد صعود الصين اقتصادياً تؤسس لمنافسة موقع السعودية في امريكا،والله اعلم ، ولعبت امريكا دوراً في تغيير مسار السعودية من الاصطفاف الى جانب الشعب السوري، عبر الخطة (ب) العسكرية المشهورة، وعودة السعودية مجدداً للمطالبة بتحقيق السلام فوق الاراضي السورية، ونلاحظ في المقابل نجاح الدور السياسي والعسكري الروسي في ضبط الملف السوري ومن خلال مناطق خفض التصعيد جنوباً وشمالاً، وعبر تطهير الارهاب، ومثلما هي امريكا صديقة للسعودية، فان روسيا صديقة ايضاً لها، واذا كانت واشنطن عام 2017 قد اعلنت صفقة مع السعودية، مقدارها 400 مليار دولار، فان من حق روسيا بوتين الآن وبعد ظهور موضوع الطائرات المسيرة وقصف النفط السعودي ان يدعو الرئيس بوتين حديثاً هذا العام 2019 لشراء منظومة صواريخ دفاعية متفوقة مثلS300 او S400 على غرار ايران وتركيا ، وبحضور قادرة البلدين حسن روحاني ورجب طيب اردوغان، بتاريخ 16 سبتمبر 2019، في العاصمة التركية انقرة، وسبق للسعودية وبجهد ولي العهد محمد بن سلمان عام 2015 ان وقعت اتفاقية اقتصادية كبيرة مع روسيا لشراء 16 مفاعلاً نووياً سلمياً. وتعتبر الفدرالية الروسية حالياً ميزاناً في السياسة العالمية ، وداعية لعالم الاقطاب المتعددة، ولا اطماع شرق اوسطية لها وبنفس الوقت تقيم علاقة قوية مع اسرائيل، وزيارة مرتقبة لبوتين لتل ابيب قريباً. واختم حديثي هنا بالقول بان الخطاب السياسي السعودي بشان القضية الفلسطينية ومستقبلها ينسجم مع الخطاب العربي بالمجمل، ويشدد على حل الدولتين واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف على حدود الرابع من حزيران ، وهو ما سمعته من خطاب السيد محمد العتيق نائب رئيس البعثة السعودية على هامش احتفالية العيد الوطني المبارك للسعودية بعمان الذي أقيم في الثاني والعشرين من سبتمبر 2019 ، وتصدر الحفل حينها صورتان زاهيتان لصاحبي الجلالة الملك عبدالله الثاني، ولخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظهما الله.