خلاف “فواتير” بين مقاول هارب ومؤسسات رسمية، يحرك ثورة جديدة في مصر.
هل يمكن للمرء أن يستوعب ما تصنعه كارثة “السوشال ميديا” في هذا الزمن؟!
سياسة الحكم في مصر ليست هنا موضوع الجدل، سواء اتفقنا معها أو اختلفنا. ما من أحد يمكنه تبرير الاستبداد في أي مكان بالعالم، لكن الذي يجري في بر مصر هذه الأيام يبعث على الدهشة حقا.
تيارات سياسية ودول وأجهزة استخبارات تبني مقارباتها استنادا لروايات مقاول مغمور، صنعت “الميديا” منه نجما ثوريا يدافع عن الغلابى والمسحوقين.
المدقق في الأحداث يلحظ وبسهولة أن أحدا من المطبلين لمحمد علي وسردياته عن فساد النظام المصري، لا يكترث بصدقية الرواية، ولا ببرنامج متكامل للتغيير في مصر، المهم أن تنزل الجماهير للشوارع تصيح بإسقاط النظام، والنتيجة هنا معروفة؛ صدام دموي مع قوات الشرطة، وفوضى عارمة في غياب بديل وطني ناضج، وقوى سياسية قادرة على التحكم بسير الأحداث. الخلاصة في هذه الحالة حمام دم في أكبر دولة عربية، وسقوط مصر مثل جارتها ليبيا في حالة من انعدام الوزن تفضي في نهاية المطاف لتمزيق البلاد دويلات وحكومات. هل يدرك بعضنا معنى سقوط دولة بحجم مصر في الفوضى؟
هذا ما حصل في سورية واليمن وليبيا. مصر نجت من الكارثة بثمن سياسي باهظ، وتونس بيقظة شعبها، ولا نعلم بعد كيف تمضي الحالة في السودان والجزائر.
في ثورة 25 يناير تحرك المصريون بفعل نشاط داخلي ورغبة وطنية بالتغيير. ما يحصل حاليا، محاولة مكشوفة لتحريك مصر من الخارج. منابر إعلامية ومنصات إلكترونية، أعدت الشعب المصري للثورة، حتى انها تملأ الميادين بالمتظاهرين قبل أن ينزلوا إليها. نموذج افتراضي معد مسبقا للتطبيق. ليس مهما من يقود الثورة أو يديرها في الميدان، المهم أن تنزل الجماهير للشارع وتسقط النظام، أما بعد فلا أحد يجرؤ على طرح السؤال، لأن المطلوب في مصر وسواها من الأقطار العربية هو الفوضى لا التغيير والاصلاح.
استدعى الثوري المقاول وإعلامه المساند ذكرى ميدان التحرير، بما يحمل من رمزية ثورية، كحال ميادين أخرى عربية جرى استحضارها في الربيع العربي وتحولت لساحات موت ودمار. ضخ إعلامي متواصل من الخارج يدفع بالمصريين للنزول لقلب القاهرة وميدانها، والتمترس فيه لحين إسقاط النظام. لكن الثوريين الجدد هذه المرة يدركون تمام الإدراك أن النظام لن يتنازل، وسيرد بالقوة ما يعني وقوع صدام دموي. ورغم معرفتهم الأكيدة بهذه النتيجة إلا أنهم أصروا على دفع الناس للتهلكة، غير أن الاستجابة المحدودة جدا جنبت المصريين كارثة محققة.
ثمة رغبة بالانتقام والثأر، تأخذ المتصارعين إلى مساحات عدمية. كل طرف يريد أن ينفي الآخر تماما، وأنظمة لا تقل استبدادا وقمعا، تدافع عن المقموعين في ظل النظام المصري.
أعطونا وسيلة إعلام وازنة أخذت على عاتقها التحقق ميدانيا من صدق روايات المقاول، وإدارة نقاش جاد ومسؤول حول كافة المعطيات وملابسات العلاقة بين المقاول والسلطات الرسمية. بالطبع ماكينة الإعلام المصري ارتكبت نفس الخطيئة وغرقت في حملة لا تقل سذاجة عن حملة المقاول وإعلامه.
البحث عن الشعبوية دفع بالطرفين لنزال إعلامي يفتقد للقيم المهنية والأخلاقية، ويتاجر بمشاعر الناس البسيطة، في حرب وقودها الغلابى.
ملاحظة: السلطات المصرية أوقفت شابين أردنيين بتهم ملفقة وخرجت باعترافاتهم لوسائل الإعلام على نحو يخالف الأعراف والقوانين. ينبغي إطلاق سراحهما فورا.
الغد