يطرح الدكتور محمد الحموري وزير العدل الاسبق على المعارضة الاردنية, من احزاب ونخب وضع خطط شاملة للاصلاح في البلاد تشمل جميع نواحي نشاط الدولة والمجتمع.
هذه الدعوة التي نشرتها »العرب اليوم«, امس, تتضمن فكرة (مأسسة المعارضة) وتحويلها من جزر متفرقة ومتنافرة احيانا الى جسد سياسي يتعامل مع الحكومات ومجلس النواب ليس من قاعدة النقد واصدار البيانات وتسجيل المواقف فقط, انما على قاعدة طرح خطط منشورة ومتداولة بين الرأي العام, وهذا يعني الانتقال بالمعارضة الى مرحلة »حكومة الظل« المعمول بها في الدول الديمقراطية, التي من مهماتها متابعة النشاط الحكومي والبرلماني يوميا وتوفير الاجابات على كل قرار وخطة يصدران عن الحكومة ومجلس النواب.
دعوة الدكتور الحموري تستحق الاهتمام من النخب والاحزاب وفعاليات المجتمع المدني, غير انني استبعد ظهور حراك بين هذه الاوساط يقود الى ما يسعى اليه الحموري, لان مناهضة المأسسة (ان جاز التعبير) لا تقتصر فقط على الحكومة والبرلمان, فهي ايضا مستفحلة بين صفوف اوساط المعارضة, ما ادى الى ضعفها على المستوى الشعبي, وبالتالي غياب اي تأثير ملموس لها على السياسات العامة, فواقع المعارضة انها تفتقر الى خطة ونهج موحدين.
تحتاج المعارضة الى ورشة اصلاح شاملة على محاور بناء الديمقراطية داخل الاحزاب لمأسسة عملها, والانتقال من مرحلة المقرات واليافطات الى مكاتب المستشارين والخبراء القادرين على متابعة ومواكبة الاداء الحكومي, ليس بالنقد فقط ولكن بطرح البدائل والقدرة على استخدام وسائل الاعلام والصحافة المختلفة لنشر خطط المعارضة وتوعية الجمهور بها.
بالمقابل, انتهز فرصة الدعوة التي اطلقها الدكتور الحموري, ومن باب الحوار, للقول, بان مسألة الاصلاح الشامل بما في ذلك اصلاح المعارضة تظل مهمة الدولة. ومن دون وجود ارادة سياسية للدولة باحداث نقلة اساسية على درب الاصلاح الشامل, الحكومي والتعليمي والنيابي والقضائي فان شعارات الاصلاح التي تطلقها الحكومات بين وقت وآخر ستظل (ظاهرة صوتية) كما وصفها الحموري.
الدولة فقط, وليس اي جهة اخرى, هي التي تملك السلطة والقانون لتضع اي مخطط اصلاحي تحت التنفيذ, مثل اقرار قانون انتخاب جديد يسمح بتشكيل قوائم انتخابية, وقانون احزاب يحدد دورها وعلاقتها بالدولة واساليب نشاطها والقوانين الاخرى المتعلقة بحرية الرأي والاجتماع. واذا ما ذهبنا الى التفاصيل فان الكثير يمكن القول فيه لاحداث التحول الشامل الذي يغذي قوة الدولة وهيبتها, وقدراتها, وبما يجعل المعارضة تتحمل مسؤولياتها الى جانب الحكومة في النهضة والتنمية.
وقد يقول قائل, ان ما يطرحه الحموري, وما ادعو الدولة اليه هو من باب الترف الفكري, وبان هذا ليس وقته, والحقيقة ان هذا الطرح يقدم افضل الاجابات واصدق الدعوات لمواجهة الظواهر السلبية التي بدأت تنخر في المجتمع الاردني, من جهوية وعصبية واحداث عنف عشائرية وصولا الى ما اصبح اصطلاحا متداولا ب¯ »ضعف هيبة الدولة«.
لا بد من اطلاق حراك داخلي شامل يجدد الدولة ويبعث روحا جديدة في المجتمع تحقق الالتفاف الوطني لتحقيق التحولات نحو الامام على مختلف الخطوط السياسية والاجتماعية والاقتصادية للدولة والمجتمع, لانه, وببساطة, في غياب اطلاق مثل هذا الحراك, بارادة الدولة واشرافها, فان البديل حراك من نوع آخر يقود الى مزيد من التشرذم وتشتت الرؤية والانحدار نحو ثقافات بالية وغايات فئوية تُغلّب المصالح الشخصية على مصالح الشعب والوطن.0
taher.odwan@alarabalyawm.net