جدار برلين والعشيرة والدولة
جهاد المحيسن
11-11-2009 05:03 AM
قبل عشرين عاماً سقط جدار برلين الذي ظل رمزا لانقسام عالمين وأيديولوجيتين لمدة 29 عاما.
كان ذلك الحدث مفاجئاً للجميع، حينها كانت رياح التغيير قد شرعت تهب على أوروبا الشرقية بالرغم من رفض بعض حكومات دولها قبول فكرة نهاية حقبة من حقب التاريخ والمتمثلة في الشيوعية.
ولكن ماذا عنا نحن في الأردن؟.. ألم نشهد سقوطا مماثلا لسقوط جدار برلين؟ فبعد سنوات طويلة من الأحكام العرفية وعلى اثر انتفاضة الجنوب، شهد الأردن بداية التحول الديمقراطي وعودة الحياة الحزبية التي تعطلت لسنوات طويلة وغاب فيها البرلمان عن حياة الناس، وبدا أن التغير الذي حصل على أثر الحراك الشعبي أن البلد تسير بخطوات حثيثة نحو مشاركة الناس في الحياة السياسية، وبدا في حينها أن الأردن سيصبح نموذجا للديمقراطية في المنطقة.
بعد سنوات من تلك اللحظة التاريخية الواعدة، بدا أن ثمة قوى داخلية وخارجية لم تكن ترى في هذا التحول سوى تهديد لمصالحها. منذ سنوات خلت بدأ مسلسل التراجع عن التغيير الديمقراطي، واقتصر الحديث عنه في المناسبات من دون أن تكون هنالك ملامسة للتغير على ارض الواقع!
ومع مرور الأيام والسنين حدث ما كان يخشى منه. فهامش الحرية بدأ يضيق، والأحزاب التي يفترض بها أن تقوم بعمل رئيسي في رفع سوية الحياة العامة أصابها الضمور والقصور الذاتي، والبرلمان مؤسسة الشعب الأولى بدا وكأنه عبارة عن مؤسسة ديكورية لا حول لها ولا قوة نتيجة لجملة من القوانين التي فرضت نوعية ممثلي الشعب، وأصبح دور النائب مقتصرا على العلاقات العامة، وتحقيق مصالح آنية للذين انتخبوه، وغاب الدور الرقابي.
تعاقبت الحكومات المختلفة وقدمت برامج سياسية واجتماعية مختلفة، وفي أغلب الأحيان فشلت هذه الحكومات في حل المشاكل الأساسية التي تعترض الوطن والمواطن على حد سواء.
لم تستطع تلك الحكومات أن تقوم بعملية إصلاح اقتصادي أو اجتماعي ينتشل الوطن من وطأة الفقر والبطالة التي تنهش جسد المواطن ما اتبع ذلك عدم ثقة فيها ولا في برامجها التي تطرحها، وأصبح الحديث عن حكومة جديدة قصة يتندر بها المواطن لعمق إيمانه بأنها لن تكون قادرة على تقديم أية حلول للمشاكل التي تعتريه.
أصبح الفساد والشللية ظاهرة في المجتمع، وبرزت نخب وقوى جديدة لا تقيم وزنا للدولة ولا للمجتمع، ومن هنا بدأت بوادر التفكك في بنية الدولة، على خلفية عدم الإيمان بها، كعامل توازن في المجتمع، واستجابت الدولة لشروط المؤسسات الدولية ووكلائها فتخلت عن دور الرعاية الاجتماعية لمصالح نخب سياسية لا تمتلك قواعد اجتماعية، وبدأت بوادر التمرد في الظهور من دون أن يتم الالتفات إليها ومعالجتها.
وانبرى البعض للوم العشيرة والعائلة، وربما في أحيان أخرى الطائفة، والتغني بضرورة أن تبسط الدولة هيبتها من دون الولوج إلى عمق الأزمة.
في هذه المعمعة، ومهما تعددت القراءات فإنّ هنالك غياباً واضحاً لفكرة الوطن، كموحد لمكونات المجتمع!
فحقيقة ما يجري من أزمات وفقدان هيبة الدولة يعود إلى غياب سلطة القانون وعدم التوزيع العادل للتنمية، وما يحدث في مخيم البقعة على سبيل المثال لا يختلف بالضرورة عما يحدث في قرية رحمة القابعة في وادي عربة على خط النسيان.
هكذا هي الحال بعد سقوط جدار برلين، وبقيت ملفات حيوية وأساسية مسكوت عنها عمدا داخل مؤسسات الدولة والسياسات، ما أدى إلى عودة الناس إلى العشيرة والعائلة، وآخرون ممن استقووا بالسفارات الغربية على حساب الوطن، وخلقوا عصبيات أخطر من العصبيات العشائرية، وأخذوا يتباكون على الوطن، فهل هنالك إرادة حقيقة لفصل الغث من السمين والعودة للناس كل الناس وفق منظومة تضمن حقوق الجميع من دون تمييز.
Jihad.almheisen@alghad.jo