** احمد وجدي
صناعة ربطات العنق أحد مدخلات تمويل صناعة الملابس الراقية، فهذه القطعة الصغيرة من القماش التى تزين عنق الرجل، وتشكل أهم إكسسواراته المحدودة، تحقق دخلاً كبيراً لدور الأزياء، التى هى من أهم دعائم الصناعة فى عواصم الموضة مثل باريس أو روما، ولكن هذه الصناعة بدأت تتعرض لأخطار، مصدرها الحريصون على صحة الإنسان .. فقد بدأوا يعتبرونها مضرة بالصحة. لا أعرف تحديدًا من بدأ موضة ربطة العنق، هل قدماء الصينيين لتمييز جنودهم، أم هى تطور طبيعى للفولار الذى كان يعقده نبلاء أوروبا منذ القرون الوسطى حول رقابهم، وتتراوح خامته بين الحرير الطبيعى لكبار القوم، أو القماش الرخيص لصغارهم، ولكننى أعرف أن ربطة العنق هى أحد الأدلة القليلة على ذوق الرجل، فهى عنوان الشياكة والذوق الرفيع، وأول ما تقع عليه عين المرأة من ملابس الرجل، ومن حسن اختيارها أو سوء اختيارها تحكم على ذوقه وعلى مكانته الاجتماعية والمالية أيضًا.
وإكسسوارات الرجل قليلة، هى مجرد ساعة أو قلم أو كرافات أو زجاجة عطر، ولذلك فإن الرجل يهتم بها، كما أنها جزء مكمل للملابس الرسمية. فبعض المؤسسات تفرض على موظفيها ارتداء الكرافات، ومنها ما يطلب لونًا معينًا، وكذلك فرق الكرة والنوادى الرياضية والمدارس.
ولأن أعناق الرجال لا تخلو من ربطة، فإن الكرافات صناعة كبيرة وتجارة أكبر، ولها مصمموها لونًا وطريقة عقد، وأنواعها تناسب جميع الميزانيات، والرجل الذواقة فقط يميز بين ربطة وأخرى.
ولكن لدىّ معلومة طبية من ماليزيا، مازالت بحاجة إلى إثبات، وهى أن الكرافات مصدر خطر على صحة الرجل. ليس لأنها تتسبب فى آلام العنق والعمود الفقرى وليس لأنها قد تسبب ضيقًا فى التنفس، بل لأن الكرافات قد تتحول إلى مخزن للميكروبات والبكتريا الضارة. فقد وجد الأطباء أن الكرافات تتحول أحيانًا إلى "ممسحة"، حين تتدلى على الموائد أو تلمس أى شىء آخر، فتلتقط ما تيسر من الجراثيم والبكتريا، وتنقلها إلى مرتديها.
فهل فعلاً عنوان أناقة الرجل هى فى الحقيقة عدوة له؟ لم يحسم هذا الأمر حتى الآن. ولكننى شخصيًا أعتقد أن الرجل الأنيق لا يحول ربطة عنقه إلى ممسحة، ويحرص على نظافتها، كما أنه يجدد دائمًا ربطات عنقه ولا يرتديها أشهرًا وسنوات لتتحول فيما بعد إلى مخزن ضار بالصحة.
ولن يكتب يومًا على الكرافتات "ارتداؤها يضر بالصحة" أسوة بعلب السجائر. ولكن بلا شك أن هؤلاء الأطباء الماليزيين يبالغون فى موقفهم المعادى لربطة العنق. فكل ملابسنا عرضة للتلوث إذا عشنا فى بيئة ملوثة، ولا تحتاج الملوثات إلى وسيط لاختراق أجسادنا، فنحن نتنفسها ونشربها ونتناولها مع وجبة طعامنا. فهل نحظر الهواء والماء والأكل؟