المفاجأة السنوية .. غياب الجامعات العربية
د. عامر السبايلة
10-11-2009 08:37 PM
في كل عام وعندما تطالعنا التقارير الدولية وسلم الترتيب العالمي لجامعات العالم تبدأ التساؤلات و التحليلات و المقابلات التلفزيونية و الندوات وكلها تناقش – و تحت نظام الفزعة- صدمة غياب أي اسم لجامعة عربية في مصاف الجامعات المتقدمة أو حتى المتأخرة.
لكننا لا زلنا لا نجد ,إلى الآن ,أي محاولة جدية للوقوف عند مشاكل السقوط المتسارع للأنظمة التعليمية و تحولها إلى أنظمة استثمارية مادية متناسية تماماًً لهدفها الأساسي كونها أنظمة استثمارية بشرية تستثمر بالبشر و لا تستثمر البشر. و لنتذكر دائماً أن التعليم الحكومي المتاح للجميع هو استثمار المستقبل الفعلي.
لن أخوض في التحليل للأسباب – فتلك باتت واضحة للجميع- و إن عامل الدهشة المتعلق بالوضع التعليمي المنحدر لم يعد موجوداً أصلاً عند الكثيرين. و بالرغم من هذا فان إعادة النظر بطرق التعليم و التي تفتقر للجانب العلمي و التي لا تزال تعتمد أسلوب التلقين الذي يعطل الإبداع و يقتل الرغبة بالبحث والتحفيز و التفكير لدى الطالب.
من هنا تلعب طبيعة العلاقات السائدة في المجتمع دوراً سلبياً واضحاً بتحديد العلاقة بين المدرس و التلميذ و التي تتسم بالعلاقة الهرمية و التي تجعل من الطالب مُستقبلاً و حافظاً للتلقين و التلقي العشوائي. و للأسف فان من كوارث التعليم الحقيقية هو سيادة مناخ أحادية الطرح و ذلك لأن سيطرة جهة واحدة على الطرح يعمل على سيادة النمط "اللاحواري" و ذلك باستثناء المتكلمين الآخرين أو تجاهلهم.
إن الاعتقاد بأن الإصلاح التعليمي هو عملية تُأتي أُكلها بإصلاح التعليم الجامعي هو اعتقاد خاطئ تماماً و ذلك لأن المشكلة لا تكمن فقط بالنظام التعليمي الجامعي بل تكمن أيضاً بمدخلات التعليم و الذي لا يمكن لمخرجاته أن تكن بأفضل حال من مدخلاته, فكما أكد أفلاطون قبل ثلاثة آلاف عام: " إن الاتجاه الذي يبدأ به المرء تعليمه يحدد حياته المستقبلية."
فاليوم الواجب يكمن بإعادة النظر في الطريقة التي نبدأ بالتعامل بها مع أبناؤنا منذ الصغر و لا كلام ممكن أن يضاف هنا عل كلام مفكرنا الكبير هشام شرابي في دراسته للمجتمع العربي عندما أكد على هذه النقطة بالقول: " لا شك أن ما نعتبره في الطفل ذكاءً حاداً أو مقدرة متميزة كثيراً ما يكون صفات الفرد في طفولته لكنه يفقدها من جراء التربية التي تفرضها عليه المعاملة التي تعرضه إليها و التي تقتل سريعاً شعلة الذكاء الطبيعية في نفسه و تقضي على القدرات الفردية فيه."
إن العملية التعليمية و نتائجها لا يمكن فصلها عن النظام الاجتماعي السائد, فدراسة الحالة النفسية للطلاب المتخرجين و التي تكون مشبعة بروح الخضوع و الاتكالية و فقدان الإرادة الشخصية لا يجب أن يخلص فقط للنتائج المعتادة و التي تتعلق بعدم كفاءة الأساتذة في نقل المعلومات و قصورهم عن امتلاك المناهج العلمية, فموضوع الدراسة أعمق من هذا الجانب
"البسيط" و الذي تعودنا على سماعه, فهو بالحقيقة يرتبط ارتباطاً تاماً بتخلف مختلف المجالات و لا يمكن أن يقتصر على تخلف المجال التربوي فقط, و عليه فان إصلاح التعليم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بإصلاح مختلف النظم التي بني عليها المجتمع.
إن انحدار مستوى التعليم هو في الحقيقة مسؤولية الجميع و لا يمكن أن يكون مسؤولية فئة واحدة, و بوجهة نظري المتواضعة, إن الموقف السلبي الذي يتخذه الطلاب يساهم في عملية الانحدار و يجعل من الطلاب أيضاً مسئولين عن هذا السقوط و ذلك بانحسار اهتمامهم بالحصول على الشهادة الجامعية التي تدعم من مركزهم الاجتماعي و ليس الاهتمام بالدرس أو مدى الاستفادة المرجوة .
إننا اليوم مدعوون لمراجعة كل السياسات التي تساهم في السقوط المتسارع للعملية التعليمية و لنتذكر دائماً قول رائد عملية تطوير التعليم في الولايات المتحدة فرانس باركر:" إن هدف و غاية التعليم هو بناء شخصية إنسانية."
وعليه فنحن جميعاً مدعوون اليوم للمساهمة بمهمة بناء عقول مبدعة و مفكرة و منتجة لا عقول ناعسة و مقلدة و ببغائية.
amersabaileh@yahoo.com