في أعتقادي ان السياسيات في الاردن بحاجة لفتح أبواب الحوار الهادئ و العملي والديمقراطي من أجل بلورة مناهج و أساليب للتعاطي مع المسائل ذات الوزن الثقيل والمؤثرة في مجتمعنا المعاصر .
ومن هنا فان البداية ينبغي أن تكون عند تحديد المفاهيم و توضيحها لازالة اللبس عنها ، فالاردن اجتماعيا و سياسيا أنتج عبر عقود تطوره الطبيعي عقد" اثنية" ولكنها ذات دلالات جغرافية لا ثقافية خلافا لما يتعارف عليه بالادبيات الانثروبولوجية حول تعريف الاثنية .
وعليه فان من الضروري تسليط الضوء هنا على واقع الاثنيات داخل المجتمع الاردني من عدة زوايا ، فالاردن مثلا كانت قبل حقب ما قبل تأسيس الامارة مقسومة بشكل عامودي بين بلاد الشام " فلسطين و سورية " و الجزيرة العربية ، و بقيت أصوات الانقسامين مؤثرين في التشكل السياسي و الاجتماعي للدولة .
ورغم محاولة بعض السياسين ومفكري الدولة بث الاعتقاد بان مرجعية الدولة هي مرحلة ما بعد تشكلها ، ما فرض بحكم تنوع التشكل العرقي للدولة بفرض الجغرافيا لحكمها على السياسية و المجتمع ، وبقيت ازدواجية المرجعيات تراوح مكانها لأن الجغرافيا لا تحسم مصير الهوية .
في أدبيات عرار ، مصطفي وهبي التل ، طرحت قضية الدولة و الولاء و الهوية بوضوح بارز في قصائده و أشعاره ومواقفه ، ودافع عن أردنية الاردن و حاول أن يؤسس لما يسمي بالعقل الاردني أو الشخصية الاردنية ، وفتح عرار حوارا مستفضيا مع المكان الاردني و ذاكرته الشعبية و نظمه الاقتصادية و الاجتماعية القائمة ، مبرزا عيوب المطبعين و الدخلاء و المنساقين وراء مصالح المال و الظلم و الاستبداد في السلطة .
وراينا كم أن عرار وهو حالة أنجاز أولى أدبية وسياسية في تاريخ الدولة الاردنية كانت سابقة للمؤسسة السياسية و الاجتماعية في الدولة ، حدد مرجعيات التشكل الاردني بمحددات البئية و العقل البدوي و الجغرافيا والجوار الشامي و الحجازي فقد لعبا دورا اساسيا في تشكيل العقل الاردني .
ومما لا شكل فيه ان ادبيات عرار لو نظرنا موضوعيا اليها لكشفنا العمق الاثني في الهوية الاردنية بسياقتها الاجتماعية و السياسة ، وهنا عدل عرار عن رسم العقل الاردني من زاوية الدين و اللغة رغم ان الساساة حاولوا ان يتكؤ عليها في شرعيتهم وبرامجهم السياسية الوطنية .
ولو اخذنا حالة عرار المتجذرة في العمق الثقافي الاردني لوجدنا انه حدد بادبياته مسافة واضحة من العلاقة مع الكبت السياسي والاجتماعي الذي كانت السلطة تمارسه لاخفاء ملامح الاثنيات ، لا بل ان عرار الذي صارع بفكره مشاريع الظلم و الاضطهاد السياسي والاجتماعي اعترف بالتسامح وانتج خطابه بادواته المعرفية وان عدنا الى نصوصه الشعرية ومواقفه الاجتماعية في حكم عمله بالوظفيفية العمومية بالدولة لمسنا كل ذلك بوضوح.
ولكن ما أصاب الاثنيات الاردنية ، ان موقفها الان مقارنة بالسابق تغيير لحد كبير ، فاذ تحولت الخصوصيات الى مذاهب و حمايات اجتماعية تختفي ورائها المصالح الاقتصادية لشبكات من العوائل المتنفذة التي تغلغلت للاقتصاد والسياسية و شكلت حمايات كبرى لمصالحها المتجددة و العتيقة .
ومما لا شك فيه فان غياب الديمقراطية و العدالة الاجتماعية هو الذي ساعد على تحويل الاثنيات الى مشكلة اجتماعية وسياسية كبرى في الاردن ، و عوضا عن الحياة المدنية و الاهلية برزت مخالفة لتقوقع و المحسوبية و الشللية في العقل السياسي
الاردني .