سأتحدث أولا وباختصار عن أبرز الاحداث التي يمر بها الأردن وهو اضراب المعلمين والحوارات التي لم تصل الى نتيجة للآن بين الحكومة ونقابة المعلمين، والاطراف الخاسرة الرئيسة هي بالطبع الطلاب وقطاع التعليم والوطن. وبهذا الخصوص يجب أن أشير الى أنه ينتابني شعور مختلط تجاه المعلمين والحكومة، فأنا مع إعطاء المعلم ما يستحق من علاوة تقديرا للدور العظيم الذي يقوم به، وبنفس الوقت لا أتفق مع استمرار الاضراب. وأتفهم وضع الموازنة العامة في هذه الظروف الصعبة، الا أنني ألوم عدم السرعة في إيجاد حل سريع لهذه المعضلة خدمة للطلاب. ولدي شعور باتجاه واحد، غير مختلط، تجاه الطلاب وأهاليهم والوطن وهو التعاطف والشعور بالحسرة لأنهم الخاسرون من النزاع الحاصل بين طرفين آخرين.
لو كنت نقيبا للمعلمين لما سمحت للاضراب بالاستمرار أكثر من يومين خدمة للطلاب ولأهاليهم وللوطن. ولو كنت مكان الحكومة لقمت بعمل مناقلة بين بنود الموازنة بشكل سريع خدمة لقطاع واسع من مجتمعنا وهو قطاع التعليم والمعلمين. التعنت الذي أصاب الجانبين سيتحمل نتائجه المباشرة الطلاب وسنلمس آثاره الحقيقية السلبية مباشرة بعد عودة الطلاب الى المدارس واستئناف الحياة المدرسية.
أما حالة البلاد التي أقصدها من عنوان مقالتي، فهو التقرير الذي يصدره المجلس الاقتصادي والاجتماعي على شكل استشارة دورية للحكومة منذ سنتين، أي منذ أن تسلم الدكتور مصطفى الحمارنة رئاسة المجلس. حيث يحرص رئيس المجلس على مناقشة مسودة التقرير مع نخبة من الخبراء والمختصين، وهذه ميزة مقدرة للمجلس ولرئيس المجلس. والجميع يتفق على أن الأردن كدولة وكاقتصاد استطاع التصدي للصدمات والتقلبات والدورات الاقتصادية الطبيعية وغير الطبيعية بالرغم من كل ما يمكن قوله عند تحليل بيانات ومؤشرات الاقتصاد الكلي.
ولكن الخلاف يكمن في نوعية وتوقيت السياسات والإجراءات الاقتصادية والمالية والاستثمارية والتشريعية التي تم تبنيها على مدى العقد الأخير من عمر المملكة. فالنتائج المتحققة كان من الممكن تعظيمها لو تم تبني سياسات وإجراءات أقوى وأعمق وأدق، وخاصة من قبل الحكومات والمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال الذين قد لا نلومهم في الكثير من الأحيان خاصة أن حالة المنطقة كانت فيها الرؤية ضبابية من النواحي الأمنية والسياسية. وما يزال المستثمرون يبحثون عمن يستطيع أن يكشف لهم عما ستؤول اليه الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية في المنطقة في الأمد المنظور خلال الأشهر الثلاثة أو الستة المقبلة.
والأمر المقلق هو أن الازمات في الإقليم متحركة كرمال الصحراء تنتقل من مكان لآخر. وبالنسبة لنا في الأردن، فإن اختلاف مصادرها لا يقلل من حجم تأثيرها علينا بسبب ارتباط اقتصادنا مع محيطنا بنسيج متكامل من كافة النواحي؛ اقتصاديا، وتجارياً، وأمنياً، وبشرياً. فعلى سبيل المثال، فإن اقتصادنا يتأثر بالأزمات الأمنية الإقليمية من خلال تأثير تلك الأزمات على أسعار النفط التي تؤثر مباشرة على اقتصادنا بآلية انتقال محددة ومعروفة تمر من خلال أسعار النفط والمشتقات النفطية المستوردة لتصل الى قطاعات الطاقة والنقل والصناعة والزراعة والمنازل ولتنتهي بمعدلات التضخم والنمو الاقتصادي وبالتالي معدلات البطالة.
تقرير حالة البلاد المعروض للنقاش هذه الأيام يجب أن يساعد، مع غيره من التقارير التحليلية، متخذ القرار والمستثمر والمواطن في عملية أخذ وتصحيح القرار المستقبلي، فيما يتعلق بالتوسع في الأعمال والاستهلاك والاستثمار. فالتقرير يهدف الى مراجعة واقع بيئة الاعمال والاستثمار والمؤشرات الاقتصادية المختلفة للوقوف على درجة التقدم المحرز على صعيد الاستثمار، من خلال الاستراتيجيات المعلنة والخطط الوطنية التي تستهدف تعزيز بيئة الأعمال وتحليلها ورصد ما أنجز منها وما لم ينجز وبيان أسباب ذلك. كل هذا الجهد مقدر ويجب أن يصب في إيضاح الصورة من حيث أين أخطأنا وأين أصبنا وأين يجب أن نتجه مستقبلا لنطور حالة البلاد.