أحبط حزب التجمع الوطني الديمقراطي (مناطق 48) برنامج القائمة المشتركة وتوجّهات أحزابها الثلاثة في فرض حضورها على المشهد الإسرائيلي، لتكون فاعلة ويُحسب حسابها، وتعمل على تحقيق مطالب جماهيرها المدنية والسياسية، وتُسهم بشكل تدريجي في انتزاع حق المجتمع العربي الفلسطيني في المساواة أسوة بالإسرائيليين.
فقد أحجم حزب التجمع عن إجماع رفاقه في المشتركة عن تقديم توصية لرئيس المستعمرة ريفلين، بهدف تكليف الجنرال بيني غانتس لتشكيل حكومة المستعمرة المقبلة، خلافاً لموقف أحزاب التحالف الثلاثة : الجبهة الديمقراطية، والحركة الإسلامية، والعربية للتغيير، وبذلك أفقد غانتس فرصة امتلال الأغلبية البرلمانية، وأعطى الفرصة لتكليف نتنياهو في تشكيل الحكومة.
أحبط حزب التجمع الديمقراطي تكتيكات حلفائه وشركائه في القائمة المشتركة، رغم وجاهة دوافعه في حجب التوصية عن الجنرال غانتس الذي قاد معركة الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة عام 2014، وارتكب الجرائم خلال ذلك الهجوم، مما بات مطلوباً كمجرم حرب في بلجيكا، ولذلك لا يسعى التجمع لتسجيل سابقة أنه رشح جنرالاً إسرائيلياً لتولي رئاسة الحكومة، وهذا صحيح مئة بالمئة من حيث المبادئ والمواقف والالتزامات، ولهذا يستحق الاحترام على موقفه من قبل الشعب الفلسطيني على هذا الموقف الاخلاقي، وهو يتجاوب مع نفس الموقف الذي تؤمن وتلتزم به الأحزاب الفلسطينية في القائمة المشتركة، ولكن هذا الموقف الأخلاقي، بنفس القيمة والمعيار يفتقد للحنكة السياسية والقدرة على التأثير لعدة أسباب:
أولاً: حزب التجمع كباقي الأحزاب الفلسطينية مسجل كحزب إسرائيلي، ونوابه يؤدون يمين الولاء لإسرائيل – المستعمرة – كمواطنين إسرائيليين وكنواب منتخبين لدى برلمان المستعمرة، فهو يعمل ضمن هذه الظروف المتاحة، وعبر أدواتها، وتحت سقف قوانينها، في إطار مناوراتها وألاعيبها السياسية، وفق الشعار القائل « دولة لكل مواطنيها « لإبراز المضمون العنصري لأنظمة وقوانين وسياسات المستعمرة، مطالباً بالمساواة لشعبه على أرض وطنه الذي تحول إلى سيطرة المستعمرة.
ثانياً: التجمع يشارك في الانتخابات البرلمانية خلافاً لبعض الأحزاب الفلسطينية التي تُقاطع هذا الشكل الديمقراطي من النضال، لأنه يمنح الشرعية والقبول الفلسطيني لرواية المستعمرة وأطماعها، ويُظهرها بالمظهر الديمقراطي عبر سماحها لممثلي المجتمع العربي الفلسطيني من الوصول إلى البرلمان أسوة بالإسرائيليين، ولهذا السبب تُحجم الحركة الإسلامية – الجناح الشمالي– وأبناء البلد عن المشاركة في الانتخابات والوصول إلى برلمان المستعمرة، ولهذا كان يمكن للتجمع أن يحذو حذو المقاطعين بدلاً من المشاركة.
ثالثاً: عملياً باستنكاف حزب التجمع عن ترشيح غانتس وحجب أصواته الثلاثة عنه، يكون قد أعطى الفرصة لخصمه نتنياهو لتشكيل الحكومة، رغم إدراك قادة التجمع أنهم بهذا الموقف يُسهموا بمد شبكة الانقاذ لعودة نتنياهو وإدارته التفاوض مع الآخرين من موقع قوة، ومن موقع المرشح لتشكيل الحكومة، ومن هذا الموقع يملك تقديم الوعود في منح الامتيازات للآخرين وتلبية طلباتهم حينما يعود رئيساً للوزراء .
رابعاً: لقد سعى قادة المشتركة لتقديم لائحة طلبات إلى غانتس لتنفيذها مقابل منحه الترشيح وهي طلبات ملحة وضرورية أمام حاجة الفلسطينيين لها بدءاً من إلغاء قانون القومية العنصري، وإلغاء قانون هدم البيوت كامنتس، وزيادة ميزانيات البلديات، وتوسيع مسطحات البناء للمجالس المحلية، أسوة بما فعله النواب الفلسطينيون الخمسة عام 1992، من الشيوعيون والحزب الديمقراطي العربي مع إسحق رابين.
خامساً: كان يفترض على حزب التجمع أن يبقى ممسكاً بموقف حلفائه وشركائه في القائمة المشتركة، ويتحفظ على الموقف ويعلن أن موافقته على التوصية نحو غانتس تعود للحفاظ على الموقف البرلماني الموحد، حتى لا ينقسم الموقف في أول اختبار برلماني.
ومع ذلك، وفي كل الأحوال، الأحزاب الفلسطينية الفاعلة لدى المجتمع العربي من أهل الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة هم أدرى بأحزابهم وخياراتهم، ولهم جميعاً التقدير على صمودهم ونضالهم، وهم ولهم الحق في اتخاذ ما يرونه مناسباً في معركة انتزاع حقهم في المساواة على أرض وطنهم فلسطين الذي لا وطن لهم سواه.
الدستور