من الذاكرة .. زيد بن شاكر .. أيقونة وطنية
سمير الحباشنة
25-09-2019 12:58 AM
لم أتمكن، من حضور حفل إشهار كتاب السيدة نوزاد شاكر عن حياة زوجها الأمير زيد بن شاكر رحمه الله..
وهذه ومضات ومواقف جمعتني بالراحل الكبير:
(1)
حدثني أبو شاكر:
في فترة قلقة من تاريخ البلاد..
سأل وصفي التل أبا شاكر عن واحد من كبار الضباط بالجيش.. بقوله: لم أره ولم أسمع عنه.. منذ فترة.. ما هي أخباره؟
أبو شاكر: هو في دورة طويلة.. خارج البلاد .
وصفي: ولكن من عينتم في مكانه؟
أبو شاكر: «فلان»
وصفي: ممتاز
أبو شاكر: ولكن هل تعرف فلاناً هذا..؟
وصفي: لا.. ولكنه أسم مطمئن..
وهكذا هو زيد ابن شاكر.. اسم مطمئن، حتى أن شقيقتي الكبرى أم ناصر كانت تقول ببساطة وتلقائية..
«عندما أرى «أبو شاكر» إلى جانب الملك حسين.. يرتاح بالي»
لقد كان زيد ابن شاكر نموذجاً للمستشار الأمين..
(2)
حين أتصل بي السيد عدنان أبو عودة، ليبلغني باختياري كعضو في اللجنة الملكية لصياغة الميثاق الوطني، كانت البلاد قد خرجت لتوها من أحداث عام 1989,،كانت أجابتي موافقةٌ مقترنة بسؤال... «هل كل التيارات السياسية ممثلة في اللجنة»؟
قال أبو عودة: كلهم.. القوميون واليساريون والإسلاميون وكل التيارات الأخرى أجتماعية واقتصادية.. ونقابية.
في اليوم التالي.. تم ترتيب لقاء لي مع «أبو شاكر».. وكانت المرة الأولى التي التقيه.
حيث بادرني بالقول: إجابة على سؤالك إلى «أبي السعيد»..
نعم كل التيارات السياسية موجودة في لجنة الميثاق.. لأن الدخول إلى مرحلة جديدة إيجابية تصالحية، تقتضي وجود الجميع في لجنة سوف تضع خارطة طريق للمرحلة الجديدة واعتراف الكل في الكل، نريد أن ننهي الكراهية والملاحقة والاتهام. إن الأردن الجديد.. يبنيه كل الأردنيين معاً..
وخلال علاقتي بأبي شاكر الممتدة إلى أن رحل إلى جوار ربه.. لم تتغير قناعاته باحترام اختيارات الأردنيين الفكرية والسياسية, وإن كان أختلف مع بعضها..
لقد كان «أبو شاكر» شخصية تصالحية, يبحث عن نقاط اللقاء مع الآخر فيعظمها، وبالمقابل التقليل من شأن نقاط الخلاف. كما كان يؤمن بالمشاركة, حتى أن لجاناً حكومية برلمانية كانت تُعد مسودة التشريعات, قبل أن تذهب للبرلمان, حرصاً منه على روح التوافق بين السلطتين.
(3)
في بداية عمر حكومته الثالثة، وكنت شغلتُ موقع وزير الثقافة، زار الأردن الصحافي المصري محمود مراد «نائب رئيس تحرير الأهرام آنذاك».
سأل الصحفي: كيف يمكن لك أن تختار مهندساً زراعياً لحقيبة الثقافة!؟
أجاب أبو شاكر: (بطرافة) المسألة بسيطة... «الزراعة Agriculture.. الثقافة Culture فقط قمنا بأزالة الـ Agri» وأبقينا على الـ Culture.
وأضاف: إن الأفضل أن يتم اختيار الوزراء على أساس سياسي، أما أصحاب التخصصات فموقعهم في جسم الدولة، في الوزارات والهيئات التي تتناسب واختصاصاتهم..
لقد كان لأبي شاكر فهمهُ ووعيهُ العميق للفرق بين دور الوزراء كحملة لرؤيا سياسية وبين الخبراء والموظفين.. الذي بالضرورة أن يكونوا أصحاب اختصاص..
وأعتقد أن فهمهُ الصحيح هذا قد أنعكس على كل الحكومات التي ألفها. وهو الفهم الذي نفتقده..
(4)
» أبو شاكر» كرئيس وزراء من أفضل ما يمكن لشخص أن يخدم بمعيته، حيث قدرته على التوظيف التام للعلاقة ما بين الانضباطية الصارمة التي جاء بها من خلفيته العسكرية من جهة، وبين الحرية المطلقة التي يمنحها للوزير في حدود وزارته أو مشاركته بأجتماعات مجلس الوزراء..
زيد ابن شاكر.. رئيس الوزراء، كان يتدخل فقط عندما يتم العبث بالانضباطية أو الاستعمال غير الصحيح لصلاحية اتخاذ القرار من قبل الوزراء..
(5)
حين هرب حسين كامل «صهر الرئيس صدام حسين» إلى الأردن، وأحدث تلك الضوضاء والتشويش، أحس «أبو شاكر» بأن العلاقة الوطيدة مع العراق بطريقها للتراجع. ويومها ذهبتُ بمعيته الى البرلمان... حيث أعلن أمام لجنة الشؤون الخارجية.
«إن علاقاتنا مع العراق لن تتأثر بما جرى».. وكان يسعى إلى وضع الحدث في إطاره الضيق (خلاف داخل العائلة في العراق).. دون أن يؤثر ذلك على العلاقات الأردنية العراقية.
كان يؤمن بأن علاقاتنا مع العراق بخاصة ومع كل البلدان العربية, يجب أن تكون منزهة عن كل الخلافات السياسية الآنية الطارئة لأن بها فائدة متبادلة عظيمة لكل العرب..
(6)
وفي ذات السياق، وعندما فُرض الحصار الخانق على العراق، كان «أبو شاكر»، يدفع باتجاه الاستفادة من توظيف كل الإمكانات الأردنية لتخفيف الآثار الضارة لذلك الحصار على شعب العراق الشقيق.
سألته: لكن ذلك ربما يُغضب أشقاءنا في الكويت..!
قال: لو كان الشعب الكويتي الشقيق هو المحاصر لكان لي نفس النظرة والمسلك..
لقد كان «أبو شاكر» عروبياً بالنهج والمسلك.. وليس بالألفاظ..
(7)
آمن زيد ابن شاكر, بأهمية المشروع الثقافي العربي في سبيل إعادة اللُحمة للجسم العربي، الذي نهشته الخلافات السياسية، خصوصاً بعد حروب الخليج وبالذات بعد احتلال الكويت. فقد دعم فكرة تشكيل لجنة وطنية لدعم الثقافة. واختير لعضويتها (ستين) من الشخصيات الفكرية والثقافية. وحتى يُعطيها زخماً اضافيا، فقد تم تشكيل اللجنة برئاسته بل وإعلانها ببيان فكريٍ عروبيٍ بامتياز.
(8)
لما حدثت ازمة الخبز عام 96.. وكنتُ رئيساً للجنة المالية في البرلمان والمكلف بإدارة ملف الخبز مع الحكومة. ولما لم نتوصل مع الحكومة لأي اتفاق. حيث ضاقت بي الدنيا، أتصلتُ مع «أبي شاكر» هاتفياً وقد كان خارج البلاد وخارج المسؤولية أيضاً: أطلب المشورة.
قلت: أعتقد أن الأمور سوف تنفجر شعبياً إن أقدمت الحكومة على رفع أسعار الخُبز.. هناك احتقانٌ ورفضٌ لتوجهات الحكومة.. ! ماذا عسانا أن نعمل؟
قال: أرجو أن تسعوا كنواب إلى تهدئة الناس وطمأنتهم، إذ لا يمكن لأحد أن يُضام في عهد الحسين..
وأضاف: سوف أرتب لك لقاءً مع (عون الخصاونة) وكان هو رئيساً للديوان الملكي.. لتصل رسالتكم إلى جلالة الملك..
وبالفعل تم اللقاء.. دونما فائدة، أمام إصرار الحكومة، السير بهذه الخطوة المحفوفة بالمخاطر والرفض الشعبي..
وقد تم ما تم من أحداث مؤسفة متوقعة..
وما يدعو للاستغراب ذلك الدس والتزوير المتعمد، حيث نُقلت مكالمتي الهاتفيه مع «أبي شاكر» إلى الملك حسين رحمه الله على النحو التالي:
سمير يهاتف أبا شاكر: يقول له الكرك وبقية المناطق سوف تقوم بمظاهرات واحتجاجات على قرار الحكومة, ما رأيك؟..
فيجيب أبو شاكر: «خليها تقوم».. !!
ولولا نزاهة د. عبد السلام المجالي الذي كان شاهداً على ما جرى في الكرك وكنت يومها بمعيته هناك في اجتماع مجلس الإعمار حيث انفجرت الأوضاع بوجه الحكومة.. لكان الملك حسين قد رحل عن الدنيا وفي ذهنه أن صديق عمره وأبن عمهِ «أبو شاكر» وأنا, كنا وراء تلك الأحداث..!
وبعد:
زيد بن شاكر.. شخصية استثنائية ونموذج للصدق والوطنية والعروبة.. خلوق، حتى أني كنت أقول له.. (سموك.. لقد تم إعدادك وفق برنامج كمبيوتر لتكون على هذا النحو.. كامل الزين).
زيد بن شاكر.. لم يكن له خصومة مع أحد، حتى مع من أساؤوا إليه، حتى أولئك الذين حملهم على كفوف الراحة وتنكروا له فيما بعد.. لم يقل بحقهم حتى ولو كلمة «جافة».
رحمة الله عليه واسعة وعوضنا الله بمن هو في منزلته وأخلاقه ووطنيته..
الرأي