نقابة المعلمين الاردنيين .. بين المعلن والمخفي
اللواء المتقاعد مروان العمد
24-09-2019 06:01 PM
اشتعلت الازمة ما بين نقابة المعلمين الاردنيين ووزارة التربية والتعليم عندما طالبت تلك النقابة بزيادة على علاواتهم بنسبة ٥٠٪ مدعية ان هذا أمراً قد تم الالتزام به من قبل الحكومة به منذ عام ٢٠١٤ ولم تنفذه بالرغم من ثبوت عدم صحة ذلك وتنازل النقابة عن هذا المطلب في حينه . ومع بداية العام الدراسي الحالي اعلنت النقابة عزمها الاعتصام على الدوار الرابع للمطالبة بحقها بهذه العلاوة ، ووافقت وزارة الداخلية على الاعتصام ولم توافق على المكان وحددت لهم مكاناً بديلا . الا ان اصرار النقابة على القيام باعتصامهم على الرابع ومنع اجهزة الامن لهم من الوصول الى الدوار ادي الى حصول بعض الاحتكاكات بين الطرفين اعلنت النقابة على اثرها الاضراب العام عن التدريس والذي لا يزال مستمراً للاسبوع الثالث على التوالي .
وقد كتبت عدة مقالات عن هذا الموضوع طرحت فيها وجهة نظر النقابة ووجهة نظر الوزارة وتصلب كل منهما بموقفه ودعوت في آخر مقال لي الطرفين لتقديم تنازلات متبادلة والالتقاء في منطقة وسطى لمعالجة هذا الخلاف . وفعلاً فقد اعلنت وزارة التربية والتعليم انها لم تعد متمسكة بالمسار التعليمي والذي كان موضوع عدم رضا مجلس النقابة الحالى مع انه كان محل موافقة مجلس النقابة السابق الذي وقع وثيقة بهذا الموضوع في نهاية السنة الماضية ، وطلبت الوزارة من النقابة ان لا تظل متمسكة بمطلب علاوة الخمسين في المائة وتشكيل لجنة مشتركة من الطرفين تجري مباحثات واتصالات لتخرج بتوصيات متفق عليها حول علاوات المعلمين ومقدارها وخلال مدة شهرين على ان يعمل بهذه التوصيات اعتباراً من العام القادم لاستحالة تضمين اي تعديلات على العلاوة في الميزانية القادمة .
الا ان موقف النقابة كان سلبياً اتجاه هذا الاقتراح كما كان امام الاقتراحات السابقة واعلنت اصرارها على تنفيذ ثلاثة مطالب قبل دخولها في اي حوار مع الوزارة وهي تقديم اعتذاراً رسمياً للنقابة عن الاحداث التي حصلت في الاعتصام وتشكيل لجنة للتحقيق بهذه الاحداث ثم ان تعلن وزارة التربية والتعليم عن موافقتها واقرارها لعلاوة الخمسين في المائة . ولا ادري عن اي حوار تتحدث النقابة عنه بعد ذلك وماذا ستخرج من جعبتها من مطالب جديدة قبل فك اضرابها .
واليوم سوف اتحدث عن مواقف النقابة وتصرفاتها خلال الازمة وتصريحات بعض قياديها مع ملاحظة ان حديثي يتعلق بمجلس النقابة على وجه التحديد وليس المعلمين الذين نكن لهم كل احترام وتبجيل وتكريم وتقدير .
بدأت النقابة بتصعيد خطابها ولهجتها على اثر وفاة النقيب المرحوم احمد الحجايا في حادث سير مؤسف وتولي أمور النقابة من قبل نائب النقيب ناصر النواصره المنتمي لجناح الصقور المتشدد في جماعة الاخوان المسلمين . وكانت البداية في ذلك الخطاب المتشنج والمتشدد الذي القاه بحجة تأبين النقيب الحجايا ، في حين ان خطابه كان عبارة عن رمي قفاز التحدي في وجه الحكومة واصراره على إقامة الاعتصام في المكان والزمان الذي حدده وانهم دون ذلك مستعدين لتقديم ارواحهم فدائاً لهذا المطلب . وفي يوم الاعتصام واصل تصريحاته المتشنجة والتي يعلن فيها اصراره على الوصول للدوار الرابع مهما كان الثمن الامر الذي رفع من شحنة الحماس لدى بعض المعلمين المشاركين في الاعتصام ومحاولتهم اختراق صفوف عناصر الاجهزة الامنية بالقوة الامر الذي كانت هذه العناصر قد حذرتهم من عواقبه ، وطلبت منهم الذهاب الى الساحة المقابلة لمجلس الأمة حيث حددت الداخلية لهم مكاناً لاعتصامهم . وقد ادى ذلك لحصول بعض الإحتكاكات عند محاولة عناصر الاجهزة الامنية منعهم من اختراق صفوفها .
وأثر ذلك اصدر الإمبراطور الأعظم قائد جحافل المعتصمين نائب النقيب إنذاره الشهير بضرورة انسحاب عناصر الامن من امام قواته وتمكينهم من احتلال الدوار الرابع والسيطرة عليه خلال نصف ساعة فقط وأعلن بعدها الإضراب العام عن التدريس دون مراعاة لمصلحة الطلبة ولا بالقوانين والأنظمة التي تمنع النقابة من القيام بذلك بما فيها قانون نقابة المعلمين نفسه .
ثم جرت عدة محاولات لأقامة حوار ما بين النقابة والوزارة كانت تنتهي بالفشل لتمسك كلا الطرفين بموقفه مع الإقرار بأنه لم يصدر لا عن وزارة التربية والتعليم ولا عن أية جهة حكومية أية إسائة للنقابة او أعضائها سوى ما كانت قد اشارت اليه في البداية من مخالفة إضراب المعلمين للقوانين وانها قد تلجأ للحل القانوني والقضائي اذا تطلب الامر ذلك دون اتخاذ اَي إجراءات عملية بهذا الخصوص .
اما من ناحية النقابة فقد صدر عنها إجراءات وتصرفات وتصريحات متشنجة ومتصاعدة . فقد قامت بعقد عدة مؤتمرات صحفية غلبت عليها التصريحات المتشنجة والتي تتضمن تهجماً شديدا على وزارة التربية والتعليم وعلى وزير الداخلية ورئيس الحكومة .
كما أخذت النقابات بتنظيم اعتصامات متعددة في العديد من المحافظات كانت ترفع وتيرة الشعارات والأهداف بحيث أصبحت تطالب باقالة الحكومة والهتاف بإسقاطها حيث أقيم اعتصام في السلط وآخر في اربد ثم توالت مثل هذه الاعتصامات في محافظات اخرى . وفي مؤتمر صحفي لنائب النقيب طالب القوات المسلحة والأجهزة الامنية وعناصر الدرك التمرد على الدولة والوقوف الى جوار نقابة المعلمين لاسقاط الحكومة وذلك في تطور كبير وخطير ويمثل خروجاً عن مطالب النقابة ورسالتها التي تنحصر بتحقيق مصالح أعضائها دون تبني مواقف سياسية او أمنية من شأنها ان تمثل خطراً على الامن العام في البلد
كما قال نائب النقيب ان هذا الإضراب هو أفضل درس نقدمه للطلبة . ثم أخذ نائب النقيب يتغيب عن جلسات الحوار مشترطاً مشاركة رئيس الحكومة بها ولكن وعندما حضر الرئيس أمتنع هو عن المشاركة في الحوار تاركاً المجال للناطق الرسمي للنقابة المدعو نور الدين نديم بحضورها والذي طالب الحكومة ببادرة حسن نوايا تتمثل بتقديمها اعتذاراً للمعلمين عما حصل مع بعضهم يوم الاعتصام متجاهلاً مسؤولية المعلمين عما حصل عند محاولاتهم اقتحام حواجز أجهزة الامن . كما طالب بان يتم تشكيل لجنة تحقيق في احداث ذلك اليوم وأن تقوم الحكومة بأقرار العلاوة المطلوبة ثم بعد ذلك يتم الجلوس الى طاولة الحوار .
وفي لقاء للناطق الرسمي مع مجموعة من الشخصيات التي زارت النقابة ألقى كلمة نارية قال فيها ان الموضوع ليس موضوع العلاوة وان الخطة اكبر من ذلك وقال عن الحكومة هدول قاعدين يبيعوا الاْردن ويتاجرون فيه من اجل صفقة قرن في اتهام له الكثير من الدلالات والمعاني وكان أغلب حديثه يتعلق بأتهامات سياسية للحكومة ولا علاقة لها بمطالب النقابة .
وفي يوم الاثنين الموافق ٢٣ / ٩ / ٢٠١٩ اثناء فعالية لنقابة المعلمين أقيمت في مدينة الجند الزرقاء ألقى نائب نقيب المعلمين كلمة نارية دعا فيها الحكومة للاستقالة وقال انه سيتم بعزيمة المعلمين والمعلمات إصدار قرار بالعلاوة واعتذار الحكومة للمعلمين عما حصل اثناء الإعتصام على الرابع . ثم تحدث الناطق الرسمي بإسم النقابة وفي كلام كله انفعال وتحريض على الدولة حيث قال ان هذا الوطن أمانة في أيدينا نحن المعلمون ، وقال لن يستطيع احد العبث بنسيجنا الأهلي وان رسالتنا للحكومة أقرئي المشهد ايتها الغبية . الشعب يغلي الميدان يحتقن اننا في هذا الميدان نقرع الجرس ، ثم أضاف يا حكومة اعقلي واذا ما بتعقلي احنا بنعقلك .
ودون ان يوضح من كلف النقابة او حتى المعلمين بأن يكونوا مسؤولين عن الوطن وانه أمانة بين أيديهم ، واين دور قواتنا المسلحة وأجهزتنا الامنية بذلك ، بل أين دور بقية
مكونات الشعب الاردني ، هل تم اختزال دور الجميع في حماية امن الوطن واقتصر الامر على المعلمين ؟
ثم من الذي يعبث بنسيجكم الوطني ؟ هل مجرد رفض الحكومة منحكم هذا العلاوة هو عبث بنسيجكم الوطني ؟ وماذ يقصد بقوله في رسالته للحكومة اقرئي المشهد ايتها الغبية الشعب يغلي و الميدان يحتقن ، وهل هذه لغة تخاطب تليق بمن مهنته تربية الأجيال ام انها لاتخرج عن نطاق الكلام السوقي والبعيد عن اخلاقيات الحديث والتخاطب . وهل الشارع يغلي والميدان يختنق نتيجة عدم منحكم العلاوة او ان هذا الكلام ينقل أهدافكم الى مكان ارحب وأوسع خارج أهداف ومهام النقابة . ثم ما القصد من قوله ياحكومة اعقلي اذا ما بتعقلي بنعقلك هل سيعلنها ثورة شعبية لتأديب الحكومة ؟ هل هذا من واجبات النقابة ومهامها ام هذا اعلان عن انطلاق الجولة الثانية للربيع العربي الذي انطلق مؤخراً في اكثر من دولة عربية وان ميدانه سيمتد الى الاْردن حيث فشلتم بالجولة الاولى بتحقيق ما يريده اسيادكم الذين رفعوا شعارات الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد فظننتم وان بعض الظن اثم ان الطريق أصبحت ممهدة أمامكم لتحقيق حلم عمره أكثر من تسعون عاماً بأن تقفزوا على مقاعد السلطة كما اعلن من تمثلونهم ذات يوم انهم على استعداد للقيام بهذا الدور من خلال حفلات السعي ما بين الجامع الحسيني وميدان النخيل . هل وبعد ان فاتتكم هذه الفرصة بفضل وعي النظام واجهزته الامنية والشعب بكافة فئاته تظنون ان الوقت اصبح مناسباً لتقودوا الشارع ليوصلكم ليس الى الدوار الرابع ولكن الى ذلك المبني الواقع على الدوار الرابع ؟ ام ان هذا هو دوركم وحصتكم في صفقة القرن التي اتهمتم الحكومة بالتورط فيها .
اذ كنتم تظنون ذلك نقول لكم لقد خسئتم ولن تنالوا ما تسعون اليه بفضل وعي النظام وأجهزتنا الامنية والشعب الاردني .
ولكن نقول لقد بلغ السيل الذبى ويجب على الجهات المعنية والمسؤولة ان تتحرك وان تضع حداً لهذا الفلتنان وبالسرعة القصوى . فأن الامر لم يعد يتعلق بمطالب معلمين ولا بإضراب عن العمل بل هو يتعلق بأمن الوطن . ان من يقف في الميادين ويصرح بمثل هذه التصريحات ويقول مثل هذه الأقوال فمكانه الطبيعي ليس النقابة وليس الشارع بل محكمة امن الدولة بتهمة اثارة الفتن والفوضى والدعوة للعصيان والتهديد بأستخدام القوة لاسقاط الحكومة .