يقول المفكر الفرنسي اتييان دولا بواسييه في كتابه (العبودية الطوعية) عام 1548م ،حيث كانت فرنسا ترزخ تحت الظلم والاستبداد.
عندما يتعرض بلد ما لقمع طويل، تنشأ أجيال من الناس لا تحتاج الى الحرية وتتواءم مع الاستبداد، ويظهر فيه ما يمكن ان تسميه المواطن المستقر.
يعيش المواطن المستقر في ايامنا هذه في عالم خاص به وتنحصر اهتماماته في ثلاثة أشياء:
1-الدين
2- لقمة العيش
3-كرة القدم
الدين عند المواطن المستقر لا علاقة له بالحق والعدل ،وانما هو مجرد أداء للطقوس واستيفاء للشكل ،لاينصرف غالبا للسلوك ،فالذين يمارسون الكذب بلا حرج وكذلك النفاق والرشوة ،يشعرون بالذنب فقط اذا فاتتهم الصلوات ،وهذا المواطن لا يدافع عن دينه الا اذا تأكد انه لن يصيبه اذى من ذلك ،فقد يستشيط غضبا ضد الدول التي تبيح جواز المثليين ،بحجة ان ذلك ضد ارادة الله ،لكنه لا يفتح فمه بكلمة واحدة مهما بلغ عدد المعتقلين في بلاده ظلما ،وعدد الذين ماتوا من التعذيب ويفعل الفاحشة والفساد في بلاده جهارا وبعد ذلك يحمد الله.
لقمة العيش هي الركن الثاني لحياة الانسان المستقر،فهو لا يعبأ اطلاقا بحقوقه السياسية ويعمل فقط من اجل اطفاله حتى يكبروا ،فيزوج البنات ويشغل الاولاد ثم يقرأ في الكتب المقدسة ويخدم في بيت الله حسن الختام .
أما كرة القدم فيجد المواطن المستقر تعويضا له عن اشياء حرم منها في حياته اليومية .
كرة القدم تنسيه همومه وتحقق له العدالة التي فقدها فخلال 90دقيقة تخضع هذه اللعبة لقواعد واضحة عادلة تطبق على الجميع .
يقول لابواسييه :حتى غدت الحرية تبدو وكأنها شئ لا يمت الى الطبيعة بصلة ،فالحرية التي يبحث عنها الانسان لازالت متنازل عنها في مكان ومنقوصة ومزيفة في مكان آخر .
يقول ان الحيوان لايتنازل عن حريته الا بعد دفاع مستميت ،لكن الانسان يفعل ذلك بسبب الحاجة او الخوف او غياب الوعي .
المواطن المستقر هو العائق الحقيقي امام كل تقدم ممكن ،ولن يتحقق التغيير الا عندما يخرج هذا المواطن من عالمه الضيق ويتأكد ان ثمن السكوت على الاستبداد افدح بكثير من عواقب الثورة ضده .
من جانب آخر دعي الشاعر اللبناني المسيحي المهاجر رشيد سليم الخوري الملقب (بالشاعر القروي )الى حفل بمناسبة عيد المولد النبوي اقيم في مدينة ساوباولو في البرازيل وطلب منه ان يلقي كلمة فقال :
أيها المسلمون – ايها العرب :
يولد النبي على السنتكم كل عام مرة ،ويموت في قلوبكم وعقولكم وأفعالكم كل يوم الف مرة ،ولو ولد في ارواحكم لولدتم معه ولكان كل واحد منكم محمدا صغيرا ،ولكان العالم منذ الف سنة اندولسيا عظيما ولألتقى الشرق بالغرب منذ زمن طويل ،ولعقدت المادة الغربية مع روح الشرق المسلم حلفا.ولمشى العقل والقلب يدا بيد الى آخر مراحل الحياة .
أيها المسلمون ...ينسب اعداؤكم الى دينكم كل فرية ،ودينكم من بهتانكم براء ،ولكنكم انتم تصدقوا الفرية باعمالكم وتقرونها باهمالكم .
دينكم دين التيسير وانتم المعسرون ،دينكم دين العلم وانتم الجاهلون .
دينكم دين الحسنى وانتم المنفرون ،دينكم دين النصر ولكنكم متخاذلون .
دينكم دين الزكاة ولكنكم تبخلون .
يا محمد يا نبي الله حقا ...يا فيلسوف الفلاسفة وسلطان البلغاء،يامحمد العرب والانسانية ،انك لم تقتل الروح بشهوات الجسد،ولم تحتقرالجسد تعظيما للروح فدينك دين الفطرة السليمة ،وانني موقن ان الانسانية بعد ان يئست من كل فلسفاتها وعلومها وقنطت من مذاهب الحكماء جميعا،سوف لا تجد مخرجا من مأزقها وراحة روحها وصلاح أمرها الا بالارتماء في أحضان الاسلام ،عندئذ يحق للبشرية في مثل هذا اليوم ان ترفع رأسها وتهتف بأعلى صوتها ....ثم أنشد قائلا:
عيد البرية عيد المولد النبوي في المشرقين له والمغربين دوي
عيد النبي ابن عبد الله من طلعت شمس الهداية من قرآنه العلوي
يا فاتح الارض ميدانا لدولته صارت بلادك ميدانا لكل قوي
يا حبذا عهد بغداد واندلس عهد بروحي افدي عوده ودوي
من كان في ريبة من ضخم دولته فليتل ما في تواريخ الشعوب روي
يا قوم هذا مسيحي يذكركم لا ينهض الشرق الاحبنا الاخوي
فان ذكرتم رسول الله مكرمة فبلغوه سلام الشاعر القروي
dr.sami.alrashid@gmail.com