"التعذيب ليس في حي الطفايلة فقط"
ياسر ابوهلاله
10-11-2009 03:19 AM
قبل أن يعين الرئيس الأميركي باراك أوباما مدعيا عاما لقضايا التعذيب، وفي العام 1995 أصدرت محكمة التمييز في هيئة ترأسها القاضي النزيه الشجاع عبدالمجيد الغرايبة حكما ببراءة المتهمين في" قضية جامعة مؤتة" , في حيثيات الحكم اعتمد القاضي على إثبات واقعة التعذيب التي تعرض لها المتهمون وهو ما ينقض اعترافاتهم التي انتزعت بالإكراه.لم يكن سهلا تبرئة طلاب وضباط عسكريين متهمين في اغتيال رأس الدولة , إلا أن الأصعب على القاضي أن يتجاهل وقائع التعذيب وهو جريمة تخالف الاتفاقات الدولية والقوانين الأردنية.
ظل هذا القرار يتيما، ولم تتخذ الحكومات المتعاقبة إجراءات تحاسب وتلاحق من يثبت عليه جرم التعذيب. وقل أن يمر عام دون أن تقرأ في تقارير منظمات حقوق الإنسان إدعاءات ووقائع تعذيب بعضها ينتهي بالوفاة. تشكل لجان لا يطلع الرأي العام على نتائج تحقيقاتها. ولا نسمع عن محاسبة قانونية لمن ثبت عليه ممارسة التعذيب مع أنه جريمة قانونية لا تسقط بالتقادم.
لا يمكن مقارنة التعذيب عندنا بأي بلد عربي، وتقارير منظمات حقوق الإنسان متاحة ويمكن أن نقول نسبيا بأننا أفضل من غيرنا. هذه العبارة تستخدم للتخدير وتشكل مدخلا للتراجع بجيث نكون أسوأ من غيرنا، والأصل أن ننظر إلى من هم أفضل منا. الأهم من ذلك هو سيادة القانون، فالتعذيب جريمة بالقوانين الأردنية، وجريمة في الاتفاقية الدولية لمنهاضة التعذيب التي كان الأردن من أوائل الموقعين عليها. مثلما يحصل رجل الأمن على وسام في إنجازه يحصل على عقوبة في حال المخالفة. وهذه تعزز الأمن والاستقرار وتعلي مكانة رجل الأمن، فهو رجل تطبيق القانون وهو تحته لا فوقه.
في حي الطفايلة توجد مشكلة كبيرة، لا تحل بحشد رجال الدرك والأمن، تحل اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، ثم أمنيا. من الظلم للناس ومن الظلم للأمن اعتماد الحلول الأمنية وحدها دون غيرها. ما حدث في حي الطفايلة أول من أمس يذكر بما حدث في معان عام 2001، يومها توفي حدث بعد توقيفه ثلاثة أيام لدى البحث الجنائي. انتفضت المدينة يومها بعد أن خرج وزير الداخلية على شاشة التلفزيون وكذب في واقعة يعلم الناس في مجتمع صغير تفاصيلها. فالحدث أوقف سليما وخرج جثة.
ارتكبت يومها جملة مخالفات، فقانون الأحداث الأردني لعام 1968 ينص " لا يجوز إجراء التحقيق مع الحدث إلا بحضور وليه.." ولم يكن للفتى قيد جنائي إلا أنه وفي صرعة الحرب على الإرهاب اختطف وشبح بعد أن عثر على صورة لأسامة بن لادن في محفظته.عندما تنكر وزير الداخلية للقانون تمردت الناس وأخذت حقها بيدها بشكل مخالف للقانون.
أعلم حجم العبء الأمني الملقاة على جهاز الشرطة والبحث الجنائي تحديدا. فهم يتعاملون مع أخطر المجرمين وأرباب السوابق،لكن ذلك لا يعطي حصانة لهم أو يمنحهم حق معاقبة المجرم. دور المحقق ينتهي بتقديم المتهم إلى القضاء الذي ينزل به أشد العقوبات إن ثبت جرمه.ورجل الشرطة من حقه استخدام الرصاص تحت سقف القانون وليس من حقه الإساءة بكلمة لمتهم أو حتى مجرم ثبت جرمه. وعلينا أن نتذكر حالات اعتداء على رجال الأمن وصلت إلى درجة القتل.وحتى لا نضع رؤسنا في الرمال تتحمل الدولة مسؤولية التغاضي وأحيانا تشجيع سلوك البلطجة والزعرنة.
بعيدا عن القضايا الجنائية، وفي قضايا الإرهاب ثبت أن ممارسة التعذيب يعزز سلوك العنف، والجماعات الإرهابية هي خريجة سجون مورس فيها التعذيب على نطاق واسع. تابعت ذلك في المغرب ومصر وسورية والعراق ..وغيرها. الأردن ليس استثناء وإن كان التعذيب فيه أقل من غيره.
لا تتجزأ سيادة القانون، فمعان وحي الطفايلة وزنازين التحقيق كلها تحت سقفه. ومن يخالف القانون يعاقب سواء كان مجرما أم رجل أمن.وسيادة القانون لا تحل المشكلة، الحلول الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية تسبق الحلول الأمنية.أو على الأقل تتوازى معها، أما إن تأخرت عنها فالنتائج ستكون عكسية وعلى الأمن تحديدا.
عن الغد.