بين الحكومة العرفية وحكومة النهضة
د. ممدوح العبادي
24-09-2019 02:57 PM
في العام 1991 كنت نقيبا للأطباء. وقتها جرى خلاف ما بين إدارة مستشفى الجامعة الأردنية والأطباء المقيمين في المستشفى. كنقيب للأطباء، تواصلت مع رئيس الجامعة الأردنية، من أجل حل ذلك الخلاف. لكن كان هناك رفض لطلبنا.
بعدها، اجتمعت مع عدد من الأطباء، وتباحثنا في موقف الجامعة والمستشفى، فاستقر الرأي أن يكون هناك إضراب عن العمل لمدة ساعتين بعد ثلاثة أيام.
توجهت إلى مدينة الزرقاء، حيث كانت عيادتي، وباشرت عملي مع المراجعين. وما هو إلا وقت قصير حتى وردتني مكالمة من وزير الداخلية وقتها سالم مساعدة، أعطاه الله الصحة وطول العمر.
بادر إلى ممازحتي بالقول "شوو.. رح تعملوا إضراب؟". فقلت له: نعم. لكنه، وبهدوء شديد أكد لي: ما رح يكون في داعي.. وأضاف: الأمور ستحل قبل موعد إضرابكم. وفعلا؛ حلت المسائل وجرى تسوية الخلاف، وعادت المياه إلى مجاريها بين الأطباء المقيمين وإدارة المستشفى قبل أي خطوة تصعيدية.
هذه القصة جرت في العام 1991، حين كان قانون الدفاع ما يزال ساريا، والأحكام العرفية معمول بها.
رئيس الحكومة في حينها كان مضر بدران أعطاه الله الصحة، وهو خريج دمشق وليس هارفارد، وكان مديراً للمخابرات قبل أن يشكل الحكومة، وحين شكلها لم يستطع الإدعاء بأنها "حكومة نهضة"!
هذه القصة، تعد مدخلا جيدا نعاين من خلالها الأزمة المتصاعدة اليوم بين الحكومة ونقابة المعلمين.
الحكومة الأردنية أعلنت أن التكلفة المترتبة على 50% علاوة المعلمين تصل إلى 112 مليون دينار، وذلك يعني أن المبلغ الذي سيدفع شهريا يعادل 10 ملايين. وإذا حدث اتفاق على تقسيمه على السنتين القادمتين سيدفع ابتداء من 1/1/2020، 5 ملايين دينار شهرياً. هل يعد هذا الرقم مبلغا ضخما ويكسر ظهر الموازنة التي يتجاوز مقدارها تسعة الآف مليون؟!!
هل يعقل أن يظل الأردن "واقف على رجل واحدة" من أجل مبلغ مثل هذا.. وأن يظل 1.5 مليون طالب جالسين في بيوتهم من دون دراسة بعد حوالي شهر من بداية العام الدراسي الجديد!!
نحن اليوم نتكلم عن 112 مليون دينار سنويا فقط.. لكن الاستعصاء السياسي الذي تفرضه الحكومة بأسلوبها التأزيمي قد يكلفنا أكثر من ذلك بكثير إذا ما استمرت الأمور على هذا الحال.