المواطن، أقصد المستهلك للسلع ليس محميا بصورة جيدة، أما المستهلك للخدمات فيتمتع بدرجة حماية صفر. لقد أصبح إلزاميا كتابة مكونات السلعة على الغلاف وكذلك تاريخ الانتهاء ووجود رقعة للسعر، ولدينا جمعية لحماية المستهلك تبذل جهدا وان كان قليل التأثير، وهناك جهات حكومية تراقب. لكن المجال الذي ما زال يتوجب الانطلاق فيه من نقطة الصفر فهو حماية مستهلكي الخدمات. المستهلكون مسلوبون تماما أمام الشركات والمؤسسات التي تفرض شروطها بلا نقاش، وقد وصفت مرّة العقود التي توقع بين المواطن وأي مؤسسة بأنها عقود اذعان يكفي النظر الى العقد الجاهز الذي يوقعه المواطن مع البنك دون ان يقرأه ليكتشف اذا ماحدثت مشكلة ان الحقوق كلها موجودة في جانب (اي البنك) والالتزامات والاشتراطات كلها في الجانب الآخر (المواطن الغلبان)، وكذا الحال في العقود مع شركات التأمين والاتصالات والخلوي والإنترنت وحتى الكهرباء و الماء.
لا اعرف مثلا عن حسابي في البنك سوى الكشف الذي يرسل شهريا، ولا أستطيع أن أتبين منه ما هي الفائدة على السحب على البطاقة ولا الفائدة على التوفير وفيما إذا تغيرت. وانا في الواقع لا ادقق على شيء، ولو اردت التدقيق فلن اجد سوى الغلبة والاحراج دون جدوى، لكن آخرين حدثت معهم مشاكل اكتشفوا انهم منزوعو السلاح نهائيا في مواجهة خصم مسلح بكل الأدوات القانونية لهزيمتك حتّى لو كان المنطق والحق يقول شيئا آخر.
قبل ايام اتصلت بي سيدة يائسة من الموقف مع البنك الذي تدفع له قسطا شهريا عن قرض لمسكن اشترته العائلة قبل سنوات، ثم فجأة ارتفعت قيمة القسط لأن البنك رفع الفائدة ودخلها لا يسمح بتغطية ارتفاع قيمة القسط. وقال البنك ان العقد يخوّله ذلك اذا ارتفعت اسعار الفائدة في البلد (طبعا لا يمكن ان يحدث العكس)، وقبل سنوات خسر قريب لي ارضا تساوي الآن أكثر من عشرة ملايين دينار مقابل قرض اصل قيمته 100 الف دينار. وكان حصل خلاف حول القرض ومحاكم لسنوات (خسر القضيّة طبعا) وخلال ذلك تضاعفت قيمة القرض عدّة مرات، لكن هناك وسائل معروفة بنكيا للالتفاف على النصّ الذي يمنع تجاوز الفوائد لقيمة اصل الدين وتم وضع اليد على القطعة قضائيا وبيعها عبر وسيط للبنك في المزاد واستعدّ الرجل الذي كان غائبا في الخارج لدفع الدين مضاعفا 10 مرّات في سبيل استرداد ارضه لكن بلا جدوى.
من المستحيل الوصول الى نتيجة في اي فاتورة تبدو لك زائدة عن الحدّ. لن ادخل في رواية قصص في مجالات الخلوي والاتصالات فهي كثيرة ولدى كل منكم ما يرويه والشيء نفسه يقال عن التأمين والطرف القوي دائما هو الشركة التي تملك المحامين وتصيغ العقود بصورة محكمة لمصلحتها وتعرف من أين يؤكل كتف الأنظمة والقوانين، أمّا المواطن فلا يملك شيئا وهنا بيت القصيد، نريد مؤسسة ضخمة ومدعومة تكون مرجعا لحماية المستهلكين للخدمات، جهة لديها العدد الكافي من الموظفين المؤهلين للمراجعة والتدقيق ونصرة المواطن بالحق، جهة تدقق العقود الجاهزة سلفا وتفرض تعديلها وتصبح نظيرا يجب التوافق معه على العقود التي تصوغها الشركات والمؤسسات التي تقدم الخدمة.
قبل عامين بادر صديق اكتوى من البنوك بإنشاء جمعية من هذا النوع لم تتفعّل والمطلوب مؤسسة اهلية – رسمية قد تصبح من اهم المؤسسات في البلد لتحقيق التوازن بين منتج الخدمة ومستهلكها.
jamil.nimri@alghad.jo