من سلوكيات مجتمعنا الاردني -4
أبو جون
23-09-2019 05:13 PM
ظاهرة إطلاق العيارات النارية
بلغ عدد قضايا اطلاق العيارات النارية خلال العام الماضي الى 1845 قضية مقارنة بـ 1786 قضية خلال العام الذي سبقه 2017، بزيادة بلغت 59 قضية. وبينت الاحصائيات أن 70 قضية سجلت في عام 2017 لحلات اطلاق العيارات النارية بالأفراح نتج عنها 30 اصابة وحالة وفاة واحدة ، فيما سجلت 103 قضايا في عام 2018 لحالات اطلاق العيارات النارية في الافراح نتج عنها وفاتين و18 اصابة.
وبلغ مجموع الأسلحة التي تم ضبطها لمختلف القضايا 5457 قطعة منها 2885 في عام 2017 و 2572 في عام 2018
هذه إحصائيات رسمية حول ظاهرة إطلاق العيارات النارية في مجتمعنا الأردني والتي تشير إلى تزايد هذه العادة الاجتماعية الخطيرة .
كتب الكثير عن هذه الظاهرة وسبل معالجتها و وقّعت مواثيق شرف تتعهد بمقاطعة أفراح من يقوم بإطلاق العيارات النارية ولكن لا حياة لمن تنادي . وقبل ذلك كله أصدرت الدولة قوانين وتشريعات تجرّم من يقوم بهذا الفعل ، إلا انه ورغم كل هذه الجهود لم يرتدع مجتمعنا عن هذه العادة السيئة التي حصدت عشرات الأرواح وخلفت المئات من العاهات والإصابات .
وكما أسلفت قامت الجهات الرسمية والشعبية بمبادرات لعلاج هذه الظاهرة ولكن الاستجابة كانت محدودة بل أنها تزداد تفاقماً عن ذي قبل . فأين الخلل اذن ؟
لا أريد تكرار ما كتب سابقاً عن هذه العادة الاجتماعية السيئة ولكنني أريد أن اجتهد واحلل سبب انتشارها ولماذا نفشل في علاجها.
انا دائماً اميل لتحليل الظواهر الاجتماعية بإرجاعها إلى جذورها الضاربة في اللاوعي الجمعي لمجتمعنا والتني تتمثل في "سيكولوجيا الشخصية العربية" ومنها الأردنية ، حيث يبدو لي أن مجتمعنا ما زال امتداداً للعقلية البدوية التي تنظر للسلاح على أنه عنوان للرجولة والشهامة ؛ فالمجتمعات القبلية والبدائية في مرحلة ما قبل الدولة تعوّدت حمل السلاح للدفاع عن نفسها ضد الوحوش الضارية وضد المعتدين الغرباء ، و لأجل الغزو والغارات على القبائل الأخرى، وذلك كله امتداد لتاريخ قبائل العرب قبل ظهور الإسلام ، عندما كانت ثقافة الغزو والإغارة على القبائل الأخرى لكسب الرزق أو للثأر أو للتنافس على الكلأ والماء. وحتى في الحقبة العثمانية كانت بلادنا بعيدة عن سيطرة الدولة بمعناها المركزي ،لذلك تجددت ثقافة حمل السلاح واستعماله على نطاق واسع لأجل حماية النفس أو الغزو والثأر.
هذه المحددات هي التي تسكن عقل مجتمعنا وتسري في دمائه ؛ فرغم انتهاء مرحلة الغزو بعد قيام الدولة الوطنية الأردنية الجامعة إلا أن المواطن الأردني تفتّق ذهنه عن ساحات جديدة تتجلى فيه مكبوتات مرحلة الغزو تتمثل في مناسبات الأفراح والأتراح ، فهو يطلق العنان للرصاص والبارود كأنه يبحث عن نصر أو انتصارات على قبائل أخرى !
فهو يريد التعويض عن ماضٍ عالق في اللاوعي والجينات ، كأنه لا يستطيع الفكاك منه أبداً!
ما الحل إذن ؟
الحق أنني لن أستطيع تقديم حلول ومبادرات اكثر مما قدمت الدولة وبعض الجهات الأهلية ، ولكنني انصح مجتمعنا بالتالي : أن يغيّر المواطن الأردني نظرته إلى حرمة النفس ، واحترام القانون ، و ذلك بأن يتخلص من عقلية الغزو والثأر التي تتحكم بعقول وجيناته؛ وعليه أن يتغيّر نحو سلوك التحضر ،وأن يعتصم بتعاليم الدين السمحة حول حرمة الدم، لا أن يتمسك فقط بالطقوس والشعائر الرمزية من التدين فقط.
اظن ن أن المهمة صعبة ومعقدة؛ لأن من أصعب الأشياء على النفس أن تغيّر من طباعها وثقافتها الضاربة في قارة لا وعيها ، ولكن يحدوني الأمل في أن يرتقي مجتمعنا الأردني نحو سلوك أكثر رُقيّاً وتقديراً لحرمة الدم ،وإلا فإن المآسي ستستمر ، وتسيل فيها دماء الأبرياء ، فهل هذا ما يريده الأردنيون ؟