أحداث حيّ الطفايلة: عندما يقع المواطن ورجل الأمن ضحيةً للقصور السياسي!
د. محمد أبو رمان
09-11-2009 03:56 AM
نأمل أن يكون الهدوء هو سيد الموقف صباح اليوم بعد الأحداث الأليمة التي شهدها حي الطفايلة وبعض "الأحياء" في عمان أمس، وأدّت إلى خسائر مالية وبشرية من رجال الأمن والمواطنين، على إثر وفاة الشاب صادم السعود.
إلاّ أنّ هذه الأحداث ليست عابرة أو منفصلة عن سياق عام من انفجار للعنف الاجتماعي واحتجاجات شهدتها العديد من المحافظات خلال الشهور الأخيرة. وليست هذه، كذلك، المرة الأولى التي يتورط فيها رجال الأمن ليصبحوا طرفاً في صدام مع شريحة اجتماعية، فتتحول الأزمة من مشكلة اجتماعية محدودة إلى أزمة بين مؤسسات الدولة وفئة اجتماعية معينة.
المشكلة الحقيقية ليست في الأمن إن أردنا الإنصاف والدقة، بل في القصور السياسي الحالي، إذ تعجز المؤسسات السياسية المعنية عن التعامل مع المشكلات والتحديات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فتتحول إلى أزمة أمنية متضخمة يدفع ثمنها رجل الأمن الذي يحمل أعباء فوق طاقته وخارج نطاق الأدوات التي يمتلكها، وبين المواطنين الذين ترتبط هذه الأحداث بهواجسهم ومصالحهم الحيوية.
موضوع العنف الاجتماعي طُرح مؤخراً على طاولة صنع القرار في عمان، ولم يتردد وزراء ومسؤولون في رمي الكرة، كالعادة، في ملعب الإعلام، وإتهامه بتضخيم الأحداث والمشكلات، وتسليط الضوء عليها، وكأن هؤلاء ما يزالون يعيشون في حقبة تكميم الأفواه والإعلام الرسمي، لا عصر الانترنت والفضائيات والإعلام الإلكتروني والمدونات!
نعم، شهد الأردن سابقاً توترات سياسية واجتماعية، لكن صورة العلاقة بين الدولة والمجتمع كانت مختلفة، وكان هنالك قناعة عامة بقدرة الدولة وأدواتها على احتواء الأزمات والتعامل سياسياً وأمنياً مع تلك الأحداث. أمّا اليوم فلم تعد صورة الدولة كما كانت، ولا تلك الأدوات فاعلة في مواجهة التحديات الحالية.
ثمة شروط عامة وحيثيات وأسباب تنتج مثل أحداث حي الطفايلة، وقبلها أحداث العقبة وعجلون، وتثير سؤال العلاقة بين الدولة والمجتمع ومدى قدرة المعادلة السياسية الحالية على مواجهة استحقاق التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
الدرس الأول الذي لم يتعلمه المعنيون من أحداث العنف الحالية أنّ النخبة التكنوقراطية والحكومة التنفيذية غير قادرين على إدارة البلاد والاشتباك مع المجتمع والرأي العام، وحتى مع المحيط السياسي.
بوصلة الأحداث تشير إلى اتجاه واحد صريح هو أنّنا بحاجة إلى مشروع إصلاح سياسي وردم الفجوة المتجذّرة بين المجتمع والدولة، من خلال حكومة ذات ثقل سياسي حقيقي وقاعدة مجتمعية، لديها القدرة على مخاطبة الرأي العام وملء الفراغ السياسي، ومجلس نواب يشغل مساحته التشريعية والرقابية، ويحتل المكانة الدستورية كاملة له.
ليست المسألة فقط أن تستعيد الحكومة ولايتها الدستورية العامة شكلياً، بل أن تكون هنالك حكومة قادرة على القيام بهذه المسؤولية، فقد أصبح المواطن الأردني يحنّ إلى رؤية رجال دولة من الوزن المعتبر يحملون أعباء اللحظة التاريخية، ليشعر بالحد الأدنى من الأمن، وهو يواجه مرحلة تاريخية مقبلة حاسمة مثقلة بالتحديات والتهديدات والعواصف الإقليمية.
ذلك لا يعني العودة إلى اللعبة السياسية التقليدية، بل على النقيض من ذلك تجديد قواعد اللعبة السياسية وإعادة إنتاج القاعدة الاجتماعية لها، بتنشيط المناخ السياسي ومن خلال مخرجات العملية الانتخابية، وفق قانون انتخابات يوازن بين اعتبارات الهوية السياسية للدولة والإصلاح والتجديد.
هنالك أزمات سياسية واجتماعية وثقافية تكبر وتتحول إلى "ثقب أسود" يبتلع إنجازات الدولة المتراكمة. فالتوترات الاجتماعية تأتي في سياق نمو الهويات الفرعية وتراجع هيبة القانون وضعف مؤسسات الدولة السياسية وتأميم الحياة السياسية الذي تمّ خلال السنوات الأخيرة وأدى إلى هذا الخلل الكبير!
m.aburumman@alghad.jo