حتى الآن لم يعلن الربيع العربي موته، هذا الأمر واضح في الحالة السودانية والجزائرية، وكلّ ذلك يحدث في ظل رفض البعض لعودة المنطقة إلى مربع العام 2011، كون التجارب الماثلة في اليمن وسورية لا تعطي إلا إرثا من الخراب والانهيار للدول وتشريد الشعوب.
التجربة العربية في استيعاب الربيع العربي، تفاوتت من حيث الاستجابة، والموقف من الجمهور، ويمكن القول إن تونس البلد الوحيد الذي نفذ من الفوضى، والتي نجحت في الـتأسيس لحالة جديدة وانتقال ديمقراطي وانفراج سياسي وبديل عن الاستبداد.
في المقابل كانت ثورة السوادنيين التي انهت حكم عمر البشير، والثورة في الجزائر تمثيلا للنسخة الثانية من الربيع العربي، حيث طول أمد الاحتجاج وتقنيات المواجهة، والظرفية التاريخية حيث إن هناك من وقف ضد الثورتين ومن دفع مالاً كي لا تحدث، لكنها في النهاية أزالت نظامي بوتفليقة والبشير.
الربيع العربي الثاني لم ينه الأول، وهو لم يتوقف بعد، وهنا على الجميع التفكير بصوت عاقل بضرورة تلافي الغضب والسعي نحو تحسين حياة الناس، الذين يخرجون لقاسم مشترك واحد بينهم وهو الشعور بالظلم والفساد، وهذا العاملان الأساسيّان للخروج الشعبي ضد الاستبداد.
لم يكن النظام الرسمي العربي بالـتأكيد يعتقد أن ما حدث سيحدث، وأن زمن الجمهور قادم، وبالرغم من أن بلدا مثل تونس كانت تقدم مؤشرات البنك الدولي قبيل العام 2010 أنها الأفضل نمواً وتعليماً بين البلدان العربية، إلا أن تقارير البنك لم تتحدث عن الفساد وغياب العدالة ونهب الثروات.
فقامت في البلد ثورة سلمية انهت ما هو موجود من زمن بن علي لكنها ما زالت تواجه المزيد من التحديات في نقل تونس إلى الأفضل وها هم أهل تونس ماضون في الطريق لمستقبلهم الجميل.
بعد مشاهد الفوضى في اليمن وسوريا والعراق وغيرها من البلدان التي شهدت موجة الربيع العربي، قال البعض بوجوب التحرك لوقف المسار التغييري والأمن أهم من الديمقراطية، ولكن ذلك لم يفلح في ردع الناس عن التعبير عن حاجتهم وآمالهم، وهكذا مضت إرادة الجمهور في الطريق المستمر نحو التغيير الذي لم يتوقف ولم ينته بعد، ويحتاج لتلافية لاحترام الكفاءة واشاعة العدل والتنمية الحقيقية ومحاربة الفساد بشكل جدي.
الدستور