يستطيع صاحب دولة أو معالي أو «باشاوية» أن يقيم حفل زفاف مهيب لابنه بفندق سبع نجوم، يوّزع قبله بطاقات الدعوة المزركشة، يستقبل الحضور المنتقين بأعدادهم المحصورة، ويجلسهم إلى طاولات مصنّفة مسبقاً.. لكنه في نفس الوقت لا يستطيع أن يجبر آلاف البسطاء الطيبين المخلصين الفقراء أن يمشوا في جنازته أو يذرفوا دمعة واحدة سقطت حزناً على رحيله الهادئ...
**
الموت لا يحتفي أبداً ببطاقات الدعوة، ولا تعنيه كثيراً بروتوكولات الحضور، ولا المناصب التي جلس عليها المشيّع، ولا ربطات العنق التي ان وضعت في ميزان الرحيل لا تساوي طوبة مستعارة من قبر قريب وجالون ماء، هي مرقد الراحل الجديد.. الموت يُفشل كل الترتيبات المسبقة وينتصر للتراب..
**
الا تلاحظون حتى مشاعرنا صارت طبقية؟! لهم الأفراح الباذخة، ولنا الموت البهي.. يستطيعون أن يصنعوا حفلاً أسطوريا يحيه كل نجوم العالم، لكنّهم لن يستطيعوا أن يصنعوا موتاً شعبياَ تحمله أكف الأغلبية الكاسحة من الفقراء والمتعبين والكادحين والعاجزين، لا يستطيعون أن يخرجوا عجوزاً واحداً على كرسيه المتحرّك ليودع جثمان من أحب إلى مثواه الأخير.. الفقراء لا ينسون نصيرهم حتى في الموت، وبعد أن ترك حقيبته وسماعته في مكتبه المغلق، وبعد أن تجمّدت ابتسامته في النفس الأخير، وترك عيّنات الدواء المجاني على طاولته ودفتر الوصفات وشبابيك الغرفة القديمة، لم يتركوه،لقدّ زفّوا قلبه الذي طالما جبر قلوبهم المكسورة..
جنازة الدكتور «رضوان السعد» أول أمس الجمعة، كانت خير دليل على أن الشعب ينتصر لرموزه الحقيقيين، لأبنائه الأوفياء، لتقاسيم الأرض التي تشبهنا، لا لسيارات «التيسلا» ولا للهالة ولا للزغاريد المعلبّة التي تطلقها السنة معدّة مسبقاً، السلطة لا تصنع حباً في قلوب الناس، الكلمة الطيبة والموقف الأصيل والخلق النبيل ونظافة اليد والسيرة، هي من توحّد القلوب خلفها، من شيّع الدكتور رضوان السعد من ألاف الأردنيين الجمعة لا يرتجون منه منصباً ولا عطيّة ولا نظرة رضا ولا مجاملة أو نفاقاً ولا طمعاً.. هم قالوا بصمتهم وحزنهم لقد وقفت معنا عندما كنت قوياً ونحن ضعفاء على سرير العيادة.. لن نخذلك اليوم ونحن أقوياء وأنت على تابوت الرحيل..
الفقراء لا ينسون من كان يعالجهم أبداً.. فكيف لهم أن ينسوا من يوجعهم؟!
ahmedalzoubi@hotmail.com
الرأي