للأسف يبدو وكأننا هزمنا في حرب الشوارع والطرقات الخارجية، فمؤشر الضحايا والخسائر اليومية في حوادث السير هذا العام وفي الاشهر الاخيرة تحديدا يضع البلاد وكأنها في حرب فعلية في عرض الصحراء. فمشهد الحوادث على الطريق الصحراوي والطرق الخارجية الاخرى ازداد قسوة، فيما لا تزال الردود الرسمية تقليدية ولم تطور بعد مقاربة وطنية حازمة للتقليل من شبح الموت اليومي.
وفق الاحصاءات الرسمية ارتفعت نسبة الحوادث المرورية 4 %، والوفيات الناجمة عنها 3.6 %، خلال النصف الأول من العام الحالي مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.وعلى الرغم ان جهود مكافحة حوادث السير في العام الماضي قد ادت الى انخفاض الحوادث بشكل واضح، الا ان مؤشر الحوادث المميتة قاد عاد للارتفاع بشكل كبير هذا العام وحسب تقرير حوادث السير السنوي لعام 2018 الذي تصدره مديرية الامن العام فهناك “حادث مروري ينتج عنه خسائر بشرية كل 50.4 دقيقة، وحادث دهس يقع كل 2.5 ساعة، ويصاب شخص كل 32.4 دقيقة، في حين يتسبب الحادث المروري بوفاة واحدة كل 15.3 ساعة”.
في الأردن حرب معلنة على الطرقات، وليست غير معلنة كما يصفها البعض، ضحاياها خلال السنوات العشر الماضية تجاوز سبعة آلاف ضحية، بمعنى ان ما فقده المجتمع الأردني خلال آخر ثلاث سنوات أكثر مما فقده الجيش الأميركي وقوات التحالف الدولي في حربها في العراق على سبيل المثال، ومعدل ضحايا هذه الحوداث سنويا في حدود 700 ضحية أي انها تتجاوز ما تفقده جيوش في حروب عدة، وهذه الحرب سبب الموت الأول بعد أسباب الموت الطبيعي، فهي بالتالي مصدر تهديد حقيقي للأمن الوطني ومصدر تهديد للتنمية وخسائر حوادث السير سنويا تتجاوز 250 مليون دينار، وبهذه الصيغة نحن امام كارثة مسكوت عنها.
صحيح ان الانسان هو السبب الرئيسي والاساسي لحوادث السير في الأردن فعلى سبيل المثال الحوادث التي تنتج عن عدم اخذ الاحتياطات الملائمة شكلت 37 % من الحوادث ومخالفة عدم الالتزام بالمسارب شكلت نحو 36 %. وفي نفس الوقت فإن أوضاع الطرق الخارجية لا تسر وتحديدا الطريق الصحراوي الذي يشهد منذ عامين اعادة انشاء وبالتأكيد كان له دور اساسي في زيادة الحوادث لكن يبقى دور السائقين والبشر هو الاساس، فنحن امام معضلة كبرى إما أن الأردنيين لا يقدرون قيمة حياتهم وإما أننا غير جادين في تطبيق القوانين.
وعلى هذه الخلفية لا يمكن التوصل لحلول ناجعة في هذا الملف الصعب بدون ردع وإجراءات وقائية ومكاشفة وشفافية عالية، فلا يوجد بعد كل هذه الخسائر ما يبرر غياب الشفافية والوضوح حول أسباب ما أوصلتنا اليه هذه الحرب المعلنة في بر الأردن ومدنه وقراه، في بلاد الدينا تدفع بعض الظواهر ذات درجات التهديد العالية لإعلان حالات طوارئ، ربما نحن بأمس الحاجة الى خطة طوارئ وطنية عاجلة في مجال السير والطرق تكفل بإجراءات حازمة الوصول الى النتائج المستهدفة وخلاصتها تخفيض حوادث السير الى نصف المعدل الحالي.
نحن بأمس الحاجة لخطة طوارئ حازمة ومعنية بمواجهة هذا التهديد، ولن نصل الى تلك الخلاصة دون إجراءات حازمة ورادعة، فالتشريعات والوعي والثقافة المرورية مهمة، ولكن ليس بها وحدها، فالردع العام في هذا الملف هو الاساس خذ على سبيل المثال لا يحتاج الطريق الصحراوي من عمان الى العقبة اكثر من 40 دورية ثابتة ومتحركة لكي نضبط الطرق الخارجية هذا حل تقليدي، يتطلب ايضا رصد البؤر التي تتكرر فيها الحوادث والطرق الخطرة ومعالجتها، ولماذا لا نستخدم ادوات التكنولوجيا الحديثة في مراقبة الطرق الخارجية واماكن الازدحامات فمن السهل اليوم مراقبة مساحات واسعة عن بعد ورصد المخالفات بواسطة الطائرات المسيرة وانظمة المراقبة الرقمية
(UAV ) فهناك خبرات هائلة في السنوات الاخيرة في هذا المجال من الولايات المتحدة الى الصين مرورا بتشيك، فالمفارقة ان خسائر عام واحد جراء حوادث الطرق تكفي لكي نطلق قمرا صناعيا لمراقبة كل طرق الأردن. الخلاصة استعادة قوة الردع العام على الطرقات هي الحل.
الغد