الدنيا ليل.وعمان ترقد بين أحضان جبالها السبع .والسكون العجيب تهدهده ابتهالات سماوية خاشعة ..تنطلق من أعماق القلوب في ثقة وإيمان .
وعلى الذرى من أحد الجبال الخالدة كان رجلٌ عظيم يروح ويجيء في أبهاء قصره الكبير .يطرق في الارض مرة ,يستشف أستار الغد الواعد ..ثم يرفع طرفه الى السماء مرات وأعماقه تهتف بصوت راعش رهيب :-
"اللهم اجعله لنا ,وللعرب ,قرة عين "اللهم هبنا معه ,الخير والبركة "
ويهدأ الليل وتسكن الحركة لينطلق في جوف الصمت العميق هتاف البشرى وحداء البشير :-(لقد ولد الحسين) وكان صباح ..أشرقت فيه على الارض مع ميلاد الحسين ,شمس دافئة يضرب شعاعها المسعد في أعماق الغيب ,ليكشف عما سيصنعه الوافد في غده ومستقبله ويجلس الرجل العظيم الى مكتبته ,ويخط بيديه هذه الكلمات .
عزيزي ابراهيم باشا رئيس الوزراء
أنه بحمد الله تعالى ومنه,قد منحت القدرة الصمدانية ولدنا طلال مولوداً ذكراً في هذه الليلة المباركة ,وهي ليلة الثامنة عشرة من شهر شعبان المبارك ,في العام الرابع والخمسين بعد الثلاثماية والألف من هجرة من له العزة والشرف.وبما انه من المقتضى إظهار مزيدالسرور والحبور على نعم الله وآلائه علينا ,نعلمكم كي تذيعوه ,سائلاً المولى سبحانه أن يجعله مولوداً مباركاً على البلاد والعباد وعلينا بمنه تعالى وكرمه .
عمان في 18 شعبان المبارك 1354 الموافق 14111953.عبد الله .وانطلقت الأمنية الغالية التي عمر بها قلب الرجل العظيم الى أعالي السماء .. لتكون بمن الله وكرمه ,بركة على البلاد والعباد .وتمر الأيام ..وفي رحاب جد عظيم ورعاية والدين عظيمين ,ينشأ الحسين العظيم .ويأخذ القلب المنفتح للحياة يمتليء بحب أمته وبلاده . وتمضي الروح الغضة الطرية تشحن بطاقات من العزيمة والاخلاص وتروح النفس العربية البكر ,تختزن الحكمة والمعرفة والشمم وقبل أن يتخطى العاشرة من سني حياته ,كان يجلس الى لداته في الكلية العلمية الاسلامية بعمان يحدثهم فيملك عليهم قلوبهم وعقولهم ,بذكائه وتواضعه وحبه العميق لكل من حوله .وقبل أن يبلغ الخامسة عشر من عمره المديد كان يجلس الى زملائه طلاب كلية فكتوريا بالاسكندرية ليقول لهم :ان الحياة التي ينذرها الانسان لخدمة أمته ,ويكرسها لمجد بلاده ,هي وحدها التي تستحق أن نعيشها ونحياها .وانتقل بشبابه الملهم وحيويته الدافقة الى كليه (هارو) بانكلترا , لمتابعة دراسته مع صنوه وابن عمه فيصل العراق .
ومنها انتقل الى كلية ساندهرست العسكرية ,بعد أن نودي به ملكا على المملكة الاردنية الهاشمية.
وساعدت حياة الشظف التي عاشها جلالته في الكليتين ,مع أحداث الدهر الملحة على أكتمال شبابه قبل أوانه .. حين أختاره جل جلاله لحمل الرسالة وأداء الامانة فقام بالمهمة خير ما يقوم بها بنو هاشم سبط الرسول وعترة المصطفى عليه السلام ,وعاد الى عاصمة ملكه بعد الغربة المليئة ..وقد عمر قلبه الكبير بأقدس حب حمله امرؤ لوطنه وبني قومه ..وملكت نفسه الأبية من خيوط المعرفة ما تنسج به بمهارة وإعجاز ,مستقبل الاردن .هكذا وصفت ولادة الحسين الاول بن طلال رحمه الله ووصفت معه مشاعر رجل عظيم عبد الله الاول بن الحسين رحمه الله
رحمه الله نجم بني هاشم الحسين بن طلال الذي توفي في 7شباط عام 1999 وستبقى نجماً منيراً في قلوب الاردنيين جميعاً .