نقابة المعلمين .. كيف قادت المشهد؟
عمر الرداد
19-09-2019 06:07 PM
تتوالى المؤشرات التي تؤكد أن حلا قادما سيتم انجازه بين الحكومة ونقابة المعلمين،بعد أسبوعين متواصلين من الإضراب،حيث دلت أجواء الحوار الذي عقد في وزارة التربية والتعليم، والجولة الثانية التي يفترض ان تعقد مساء الخميس، والمؤمل ان تفضي لاتفاق أولي يبدو انه سيكون وسطيا وينهي الإضراب، لا تظهر معه الحكومة انه تم لي ذراعها،ولا يظهر النقابة بوصفها تعرضت لهزيمة، هذا الحل وفقا لتسريبات مقربة يشير الى إقرار الحكومة بزيادة "50%" من الزيادة التي تطالب بها النقابة، ومواصلة الحوار على ال"50%" الباقية،وأسس صرفها بما فيها ربطها بالأداء كما تطالب الحكومة.
في قراءة المشهد العام،نجحت نقابة المعلمين في خلق حالة شعبية،شكلت ان لم تكن "بديلا" للهيئات التمثيلية من أحزاب وبرلمان ونقابات وشخصيات سياسية،فقد تقدمت عليها،تلك الهيئات التي لم يكن أمامها من خيار الا محاولة اللحاق بالنقابة، من خلال لعب ادوار الوساطة او إصدار بيانات التضامن مع المعلمين،او حتى "المشاغبة" على إضراب النقابة بالمطالبة بزيادات مماثلة في العلاوات، لإظهار ان استجابة الحكومة للمعلمين ستدفع بقطاعات أخرى للمطالبة بالزيادة، الا ان ذلك لم يحل دون كون المعلمين خطفوا المشهد لصالحهم، في قضية مطلبيه، خالية الدسم من اية شعارات سياسية وأفكار كبرى،في ظل تحولات عميقة تكاد تقضي على ثنائية "اليسار واليمين" في المشهد السياسي العام ،ليس في الأردن فقط، بل عالميا.
لقد تمكنت النقابة من استقطاب رأي عام متضامن معها وعلى نطاق واسع،على خلفية تزامن الإضراب مع تدني شعبية الحكومة،نتيجة جملة من القرارات الاقتصادية المرتبطة بالتوسع في حزمة الضرائب،وعدم معالجة قضايا الفساد، وتدوير التعيينات في المواقع القيادية، واعتراف أوساط بالحكومة بعدم صوابية قرارات اقتصادية تم اتخاذها،وإنها لم تحقق الغاية المنشودة عند اتخاذها، وهو ما يشير الى ان هذا الرأي العام ما كان الا ليبدي التضامن نفسه، مع اي قطاع غير المعلمين،لو نفذ إضرابا على خلفية قضية مطلبيه،مرتبطة بمطالب تتعلق بزيادة الرواتب، إضافة للشكوك ب"مقاربات" الحكومة بعدم قدرة المالية العامة على توفير الأموال المطلوبة في حال الاستجابة لمطلب النقابة، بوجود "هيئات مستقلة" يتجاوز عددها الخمسين هيئة، ورواتب تتجاوز العشرة آلاف دينار لبعض رؤساء ومديري تلك الهيئات،إضافة للاختلالات في سلم رواتب القطاع العام.
الحديث عن القوى السياسية وموقفها من إضراب المعلمين،يأخذنا للوقوف عند موقف الإخوان المسلمين،الذين تقاسموا الفوز بمجلس النقابة مع قوى أخرى،ورغم ان الحديث عن موقف الإخوان يثير شهية الكثيرين لاتهام من يطرح هذه القضية انما يريد حرف الأنظار عن الإضراب، وإلصاق تهمة ان الإخوان يقفون وراءه،او لهم دور فاعل فيه.
لقد ابدي الإخوان "علنيا" بمنصاتهم الثلاث"الجماعة،حزب جبهة العمل الإسلامي،وكتلة الاصلاح النيابية" موقفا حياديا من أزمة المعلمين، بما فيه البيان الصادر عن الإخوان المسلمين قبل يومين، فيما لم تخرج تصريحات قيادات من كتلة الإصلاح وحزب الجبهة عن مضمون بيان الجماعة،بالدعوة للحوار وضرورة استجابة الحكومة للتعامل بايجابية مع قضية المعلمين، بالتزامن مع إصدار بيانات تؤيد مواقف الدولة تجاه قضايا سياسية مرتبطة بالقضية الفلسطينية،وهو ما يؤشر الى ان "حل" ازمة المعلمين قاب قوسين او ادنى.
موقف الحركة الإسلامية"المرتبك ظاهريا،وربما المدروس" تجاه ازمة المعلمين،إضافة لكونه يعكس أزمة اخوانية لا تقل عمقا عن ازمة الحكومة،ارتبط بالعديد من السياقات،وهي أولا:ان الحكومة لا تحتاج الى دليل حول اختراق الحركة الإسلامية لوزارة التربية والتعليم تاريخيا،بدلالة النتائج التي تحصدها في انتخابات نقابتها،ودورها في في قضية تعديلات المناهج في مقررات وزارة التربية، وهو ما يعني ان للإخوان اليد الطولى في قضية المعلمين والقدرة على التصعيد او ضبط هذا الحراك، وثانيا: ان إضراب المعلمين جاء في ظل إشارات "دافئة"متبادلة بين الإخوان والحكومة،تجاه العديد من القضايا الداخلية والخارجية، وثانيا: ان فرضية ان هناك موقفا موحدا للحركة الإسلامية قول يحتاج للتمحيص،فمن المعروف ان هناك تيارات داخل الحركة، وهو ما يرجح انه انعكس بموقفين داخل الحركة ،احدهما يؤيد التصعيد وآخر مع التهدئة،دون ان ينفي ذلك الاتجاه العام داخل الجماعة "لاستثمار" الإضراب بالتفاوض مع الحكومة على قضايا مرتبطة بالانتخابات النيابية ،والوضع القانوني لجمعية المركز الإسلامي، وربما المشاركة بالتعديل الحكومي الذي يتردد انه سيجري قريبا.
بصرف النظر عن مالأت الحوار بين الحكومة والنقابة، واحتمالات التوصل لحلول وانهاء الإضراب،وهو ما سيحقق مصلحة للطرفين وللإطراف الأخرى"الطلبة والاهالي" فان الإضراب يشكل درسا للحكومة والهيئات التمثيلية من أحزاب ونقابات والعاملين في الشأن العام،بان ما يجمع الناس اليوم ليس القضايا والشعارات والكبرى ،وانما متطلبات الحياة وضغوطاتها، وهو ما يجري في كل دول العالم ،وان الأردن ليس استثناءا.