نقابة المعلمين الاردنيين /٥
اللواء المتقاعد مروان العمد
19-09-2019 02:13 PM
وطريق الخروج من ازمتها مع الحكومة
يكاد ان ينهي اضراب المعلمين اسبوعه الثاني ولا زالت الامور بين مد وجذر ما بين وزارة التربية والتعليم ونقابة المعلمين . ولا زال الوضع يشهد تصريحات نارية وتخندقاً داخل المواقف . واجتماعات تُعقد ترفع الامل بألإنفراج او على الاقل تعطي املاً بأنفراج قريب لتعود بعدها الى نقطة الصفر وذلك بسبب تباعد المواقف والتعنت فيها ، ورغبة كل طرف ان يخرج منتصراً من هذه الموقعة مع ان من ابسط قواعد الخروج من اي ازمة عن طريق الحوار ان يقدم كل طرف تنازلاً من طرفه ليلتقي الطرفان عند نقطة معينة لا تعتبر نصراً لطرف على طرف آخر ولا هزيمة لطرف من قبل الطرف الآخر . بل انه في قضيتنا هذه واذا حصل الاتفاق فأن النصر سيكون للوطن ولأبناء الوطن ولمصلحة الوطن والذي هو اكبر من الحكومة واكبر من النقابة .
ان معرفة اسباب المشكلة وسبب تمسك كل طرف في موقفه هو بداية الحل لها
وبالنسبة للحكومة فقد كان موقفها منذ البداية رفض هذه الزيادة ولم توافق عليها ولم تعطي وعداً بالموافقة عليها بحجة ان الاوضاع الاقتصادية للحكومة لا تسمح بذلك ، وان الوعد الوحيد الذي ذكرته الحكومة انها سوف تعيد النظر في موقفها هذا حال تحسن الوضع الاقتصادي والذي يزداد سؤاً يوماً بعد يوم . ولهذا لا زالت تغلق باب البحث عن منح حتى لو قسماً من العلاوة المطلوبة .
وتتمسك الحكومة بمسودة الوثيقة الموقعة بينها وبين مجلس النقابة السابق في نهايات العام الماضي والمتضمنة ربط العلاوات بنظام المهن التعليمية والمسار المهني وجودة العملية التعليمية وتحسين اداء المعلم عن طريق دورات تدريبية او شهادات علمية . وتقول الحكومة بأن النظام السابق بالنسبة للعلاوات كان يساوي المعلم المميز بالمعلم الذي لا يقدم الاداء المطلوب منه وانها بهذا النظام تسعى لأن يعمل جميع المعلمين على تحسين مستواهم العلمي وتحسين ادائهم الوظيفي وعلى ضوء ذلك تزداد علاوات هذا المعلم .
قد يكون ما تقوله الحكومة جميل ومنطقي ولكني انا وليس النقابة سوف اضع بعض ملاحظاتي عليه
وبداية وبالنسبة لعجز الموازنة وعدم توفر المخصصات المالية لمنح اية علاوات جديدة فهذا امر صحيح ، ولكن كان من الممكن ان يتقبله الجميع بصورة افضل لو كانت تصرفات الحكومة بألأنفاق تتناسب مع هذا الظرف . ولو اختصرت من النفقات الغير ضرورية ومن التعينات التي هي عبارة عن تنفيعات وبرواتب عالية وان اوقفت الهدر المالي الذي لا لزوم للكثير منه واظهرت جدية اكثر بمحاربة قضايا الفساد . انا اعرف انه ليس كل ما ينسب للحكومة من تقصير بهذه المجالات صحيحاً ولكن وجود بعضه كاف لتحميل الحكومة المسؤولية عن العجز المالي الذي تعاني منه الى درجة انها اصبحت غير قادرة على اعطاء زيادات للموظفين الحكوميين .
كما انه لابد من الإقرار ان الحكومة تخشى لو انها استجابت لطلب المعلمين هذه ان تفتح على نفسها شلالاً من الطلبات المشابهة من مختلف القطاعات الحكومية وهي عاجزة عن اجابة طلب المعلمين فقط . كما انها ان فعلت ذلك فسوف تصبح علاوة المعلمين المئوية بالنسبة للراتب الاساسيى هى ١٥٠٪ وبذلك تكون اعلى زيادة مئوية بين المهن الحكومية ، حيث انها عند الأطباء تبلغ ١٣٥٪ مما سيفتح على الحكومة سيلاً جارفاً من الطلبات برفع العلاوات لجميع المهن والتخصصات .
كما ان ما طرحته الحكومة من ربط العلاوة بالاداء وتحسين الوضع المعرفي والعلمي للمعلمين عن طريق
حصولهم على دورات تدريبة وشهادات علمية عليا بهدف النهوض بالعملية التعليمة امر ايجابي .
ولكني انا وليس المعلمين سوف اطرح تساؤلاً ، لماذا لا يطبق هذا الامر على جميع موظفي الدولة ما دام انه ينهض بالإداء الحكومي ويحسن مخرجاته ؟ قد يكون هناك خصوصية لوضع المعلمين وضرورة النهوض بمستواهم العلمي لكي يتحسن ادائهم التعليمي وبالتالي ارتفاع مستوى الطلبة العلمي ولكن سوف يبقى هذا التساؤل موجوداً لدى المعلمين .
ونقطة اخرى احب ان اضيفها فمن المعروف ان التعينات في الحكومة ومنذ سنوات كثيرة كان يتركز معظمها في وزارة التربية والتعليم وكان يتم التعيين حسب الدور في ديوان الخدمة المدنية للتخصص المطلوب . ومن غير مراعاة فيما اذا كان المعينين او بعضهم على مستوى او مقدرة تؤهلهم للقيام بعملهم هذا مما اوجد نسبة من المعلمين ذوي الامكانيات المحدودة ولهذا تفكر وزارة التربية والتعليم بتحويل التعليم الى مهنة وربط التعين بأمتحانات لقدرات ومستوى الذين سيتم تعينهم وربط علاواتهم بمقدار ما يعملونه لرفع مستواهم . ولكن ماذ عن الذين تم تعينهم منذ سنوات وسنوات وليس لديهم القدرة على تطوير انفسهم اكثر مما هم عليه ؟ هل نحرم هذه الفئة من الزيادات والعلاوات وهم اصبحوا ارباب عائلات وزادت مسؤولياتهم وحاجاتهم المادية ؟ لا اعتقد ان من لانصاف والعدل ان يحرم البعض من العلاوات والزيادات مهما كانت الاسباب والمبررات مادم هم على رأس عملهم .
لقد استمعت لحوارات مع الناطق الاعلامي لوزارة التربية والتعليم وهو يدافع عن وجهة نظر الوزارة وخاصة في موضوع المسار التعليمي . ولأكون صادقا فأنني لم استوعب ما قاله ولم اقتنع به .
هذا من ناحية وزرارة التربية والتعليم فماذا من ناحية الطرف الآخر المعلمين ؟ وكما كنت صريحاً في عرض وجهة نظر الوزارة وانتقادها فسوف اكون صريحا في عرض وجهة نظر المعلمين وانتقادها .
يستند المعلمين في مطالبهم لهذه العلاوة بأدعاء اتفاق ووعد بها من الحكومة غير موجود . وهم يقولون انهم يستحقون هذه العلاوة لعدة اسباب ومنها ظروفهم المعيشية وعدم كفاية دخولهم لتلبية متطالباتهم ، ولكن اليست هذه مشكلة ومعاناة كل العاملين في الجهاز الحكومي والاكثر منهم المتقاعدين من هذا الجهاز من مدنيين وعسكريين ؟.
كما تستند النقابة في طلبها هذا بأن المعلمين يقدمون اكبر خدمة للمجتمع وهم يصنعون اصحاب التخصصات الكبرى والذين وبعد حصولهم عليها تصبح رواتبهم اعلى منهم ، ولذلك فهم يستحقون زيادة على رواتبهم دوناً عن غيرهم . وهذا الكلام ليس دقيقاً فكل العاملين في اجهزة الدولة يقدمون خدمات ضرورية لمجتمهم حتى من يعملون عمال وطن . كما ان المعلمين وغيرهم ما كانوا سوف يستطيعون اداء اعمالهم لولا سهر افراد قواتنا المسلحة واجهزتنا الامنية وحمايتها لحدودنا وتوفيرها الامن والامان للمواطنين في حياتهم اليومية في حين ان دخولهم لا تزيد عن دخول المعلمين وربما هي اقل منهم .
كما ان المعلمين يقدمون علمهم لجميع الطلبة وبمقدار متساوي من العلم والمعرفة وهم مشكورين على ذلك . اما مستقبل هؤلأ الطلبة وحصولهم على تخصصات مميزة فلا يعتمد على ذلك فقط ، بل على عوامل واسباباً اخرى مثل المقدرة العقلية والذهنية ومستوى الذكاء ومقدار الاجتهاد والدراسة لدى الطلبة ومقدرتهم على الحصول على معدلات عالية تؤهلهم لدراسة هذه التخصصات . كما انه حتى المستوى العقلي والذهني للطلبة لا يكفي دائما وحده للحصول على هذه التخصصات ، فهنا يدخل العامل المالي لذوي الطلبة ومقدرتهم على الانفاق على ابنائهم لايصالهم الى تخصصات مميزة ودرجات علمية متقدمة . أي ان دور المعلم هو زرع البذرة الاساسية في عقول جميع الطلبة ومنهم من ينجح ومنهم من يفشل وكليهما من نتاج نفس المعلم . كما ان المعلمين اول من يعرف انهم ليسوا على سوية واحدة فمنهم المبدع ومنهم المتوسط والضعيف ومنهم المجتهد والذي يعمل على تطوير نفسه وزيادة معرفته وعلمه لينقله الى طلابه ومنهم من يتوقف عند كتاب المادة التي يدرسها ويكرر محتوياته سنة بعد سنة لطلابه. ومنهم من ينجح في ادخالها الى عقول طلبته ومنهم من يفشل في ذلك والدليل على هذا المستوى التعليمي لطلبتنا والذي يزداد تراجعاً عاماً عن عام . ولهذا فأن المعلمين او لنقل قسماً منهم يحتاجون الى زيادة قدراتهم العلمية وتنميتها سواء عن طريق الدورات التدريبة او تشجيعهم على تنمية قدراتهم عن طريق حصولهم على درجات علمية اعلى وربط كل ذلك بزيادة علاواتهم .
وبشكل عام فأن جميع الموظفين الحكومين من مدنيين وعسكريين بحاجة لتحسين احوالهم ورواتبهم وبدرجة لا تقل عن المعلمين . وان طلباتهم لتحقيق ذلك هي مطالب مشروعة وقانونية ودستورية على ان تتم بطرق قانونية ودستورية ، وخاصة مع موجات الغلاء التي تسود حالياً بالاضافة الى ارتفاع تكلفة الحياة ومستلزماتها وارتفاع الضرائب والرسوم التي يدفعونها . بالاضافة الى انهم يستحقون ذلك .
ولكن يجب الاقرار بأن الحكومة غير قادرة على فعل ذلك حالياً بسبب عدم توفر المخصصات لذلك والعجز الكبير في الميزانية . وهذا الذي أوقعنا في ازمة العلاوات مع نقابة المعلمين ، فلا الحكومة قادرة على اجابة طلبهم وما سوف يتبعها من طلبات لزيادة العلاوات من فئات اخرى ، ولا المعلمين مستعدين للتنازل عن حقهم بتحسين اوضاعهم . اذاً ما هو الحل ؟ وهل على الطرفين ان يبقيا مصرين على مواقفهما وتعنتهما وقيادة البلد الى المجهول ؟
وفي سبيل الخروج من هذا الوضع فلا بد للحكومة بأن تقدم تنازلات للمعلمين تتمثل بتحسين مخرجات علاوات المسار التعليمي والوظيفي وجعلها تشمل اكبر عدداً من المعلمين وبفترات زمنية اقل بين استحقاق العلاوة والأخرى . ولا بد من اقرار مقدار معين من الزيادة العامة على علاواتهم تشمل الجميع من يستحقون العلاوات عن طريق المسار التعليمي ومن لا يستحقوق . ولا بد للمعلمين ان يتنازلوا عن مطالبهم التعجيزبة هذه وان يرضوا بنسبة من الزيادة على علاواتهم اقل بكثير مما يطالبون به حالياً الى ان تتحسن الامور الاقتصادية في البلد وان لا ينجروا وراء نقابتهم اذا استمرت في تعنتها وتصلبها ونقلها للازمة الى خارج البلاد كما صرح ناطقها الاعلامي امس او كما طالب نائب نقيبهم بتدخل الجيش والاجهزة الامنية الى جانب المعلمين في صراعهم مع الحكومة قبل ايام . والاولى ان تراعى النقابة مصلحة الوطن وان تنزل عن برجها العاجي لتلتقي مع الحكومة على حل وسط ، ولا بد للحكومة ايضاً ان تنزل عن عنادها وتلتقي مع المعلمين على حل وسط معقول ولعل ذلك يتحقق في اجتماع اليوم وان تتغلب به لغة المنطق والعقل ليعود طلبتنا الى صفوفهم والذين كانوا ضحية لصراع لا علاقة لهم به ، وان نطوي هذه الصفحة ونحفظ ملفاتها فهناك الكثير القادم علينا مما هو اهم من ذلك وأكثر مصيرية .