الرهان الرسمي .. متى "ساعة الحقيقة"؟
د. محمد أبو رمان
08-11-2009 05:13 AM
رغم أن من المبكر إعلان نهاية "مرحلة عباس"، طالما أنّ الأغلب عدم إجراء الانتخابات في الموعد المقرر في ظل رفض حماس لها، إلاّ أنّ الإعلان هو نهاية حقيقية رمزية لأوهام خط الاعتدال العربي بضغوط الإدارة الأميركية على الحكومة الإسرائيلية أو عزل تلك الحكومة دولياً.
الاستدارة الأميركية والموقف المصري الهش (على لسان وزير الخارجية أحمد أبوالغيط)، وسلبية رد الفعل العربي، وضعف الاستجابة الشعبية الفلسطينية لقرار الإعلان، جميعها مؤشرات رئيسة أنّ إعلان الرئيس عباس يمثل نقطة تحول رئيسة في المشهد، وأنّنا أمام مرحلة مختلفة على الصعيد الفلسطيني والإقليمي.
أهم ما سمعته في هذه الأجواء من سياسي فلسطيني (فتحاوي) أن المسار الفلسطيني الحالي إذا استمر في هذا الاتجاه سيؤول إلى "فراغ سياسي". ومن يرصد المشهد الفلسطيني يدرك جيّداً أنّ الفترة الأخيرة تشهد تسخيناً بين النخب السياسية الفتحاوية على خلافة عباس وعلى النفوذ في الضفة الغربية.
يروي أحد السياسيين الفلسطينيين العريقين أنّ الرئيس عباس يتخوف من مصير الرئيس عرفات بعدما رفض عرض وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلنتون بتجاوز قضايا الحل النهائي والانتقال مباشرة إلى ترسيم حدود الدولة الفلسطينية، ما يعني أنّ الأمور بالفعل وصلت بين عباس والأميركيين إلى مرحلة حرجة لأول مرة.
"ساعة الحقيقة"، التي رآها عباس، ما تزال غير واضحة لدى المسؤولين الأردنيين، فبعد أن ضعفت الضغوط الأميركية على الحكومة الإسرائيلية، وبعد فشل عزل تلك الحكومة دولياً، ما نزال نسمع هنا في عمان من يراهن على إحياء وتقوية معسكر السلام الإسرائيلي الهش المحدود الميت!
إعلان عباس رسالة واضحة تماماً، لكن كيف نقرأها أردنياً؟ هذا هو المهم.. لا نطالب بإعلان الانسحاب من العملية السلمية، ولا بترك الرهان على الإدارة الأميركية، ولا حتى بمخاطبة معسكر السلام الإسرائيلي؛ لكن المطلوب على الأقل أن نعيد التفكير جدياً بخياراتنا وبدائلنا، وفقداننا أوراق اللعبة الإقليمية كافة.
عباس أعلن موقفاً شجاعاً وجريئاً، نأمل أن يمضي فيه إلى النهاية، وأنا أكاد أجزم أنه صادق ولا يناور، وعلينا نحن أيضاً أن نأخذ الموضوع بجدية، ليس فقط مع الإسرائيليين والأميركيين، بل حتى مع الشركاء العرب غير المبالين، الذين يرون الحبال تلتف حول رقبة الأردن سياسياً واقتصادياً، وهم لا يبالون (...).
الأردن، اليوم، في أزمة حقيقية، ومفتاح الحل، بدلاً من انتظار مبلغ تعويض اللاجئين بأي ثمن سياسي كان، حتى ولو على طريقة الانتحار البطيء، يكمن بالتلويح بخيارات جذرية، وإعادة خلط أوراق اللعبة واستعادة مساحات مهدورة من المناورة الدبلوماسية والسياسية الخارجية.
إعلان عباس لن يكتمل، وسيكون منقوصاً وعبئاً سياسياً على الجميع إذا لم يتبعه التلويح بقرار حل السلطة الفلسطينية، ليس فقط في الضفة الغربية، بل حتى في غزة بالتوافق مع حماس، وإعادة إنتاج الحالة النضالية السياسية الفلسطينية، بدعم عربي غير معلن، ولا رسمي، والعودة بالأمور إلى "المربع الأول"، وإنهاء حالة "احتلال الديلوكس" الذي تمارسه اسرائيل اليوم، أو الشرطة الفلسطينية بإمرة الجنرال دايتون نيابة عن إسرائيل.
"مطبخ القرار" في عمان ليس معنياً اليوم بدعوة الرئيس عباس إلى التأني في قراره أو الضغط عليه للعودة عنه، بل علينا التفكير فعلياً بفتح الأفق لخيارات أوسع وبدائل متعددة، فما يحدث في الضفة الغربية يمس مصالحنا الأمنية الاستراتيجية، والحكومة اليمينية الإسرائيلية تعلن مواقفها العدائية نحو الأردن بوضوح، فلا مجال للبقاء في مربع اللعبة الحالية، حتى الوصول إلى إشارة "الطريق مغلق" كما حدث مع الرئيس عباس، لكن مع كلفة سياسية مضاعفة!