مجابهة البطالة من منظور اقتصادي
د. سامر إبراهيم المفلح
19-09-2019 12:01 AM
تنظر دول العالم إلى البطالة كواحد من أهم التحديات التي يجب معالجتها، وبالعادة تتولى برامج وأنظمة "الحماية الاجتماعية Social Protection " ذلك، وكما جاء على موقع مجموعة البنك الدولي فإن أنظمة الحماية الاجتماعية تساعد الفقراء والمهمشين على مواجهة الأزمات والصدمات، وإيجاد فرص العمل، والاستثمار في صحة أطفالهم وتعليمهم، وأيضًا تعنى بحماية المسنين.
وتنقسم أنظمة الحماية الاجتماعية التي تنتهجها الدول إلى ثلاثة أنواع رئيسة وهي: برامج تدخلات سوق العمل "Labor Market Interventions" الرامية إلى تعزيز العمالة والتشغيل الفعال وحماية العمال، وبرامج التأمينات الاجتماعية القائمة في الغالب على اشتراكات العاملين مثل الضمان الاجتماعي، وأخيرًا برامج المساعدات الاجتماعية وهي لا تكون مرتبطة باشتراكات، وتشمل برامج دعم السلع أو المساعدات المالية أو العينية للمحتاجين وغيرها من أشكال تقديم المنافع.
إلا أن المنظور الأوسع لمجابهة البطالة لا يكون من المنظور الاجتماعي وبرامج تدخلات سوق العمل فقط، بل إن السياسات الاقتصادية بشقيها المالي "Fiscal Policy" والنقديMonetary Policy”" تشكل الأدوات الأهم لخلق فرص العمل والتعامل مع البطالة، وفي الولايات المتحدة الأمريكية تسعى السياسة الاقتصادية التي تنتهجها الدولة إلى تحقيق مجموعة من المستهدفات للمؤشرات الكلية ومن أهمها الحفاظ على مستوى البطالة ضمن المعدل الطبيعي، والذي قُدّر في السنوات الأخيرة بنسب تراوحت بين 4.5% و5%.
فالشكل الأول من السياسات الاقتصادية متعلق بالسياسة المالية والتي تُستخدم من أجل تحفيز الطلب الإجمالي "Aggregate Demand" من قبل الأفراد والشركات، إذ يمكن زيادة معدلات الاستهلاك للأفراد بشكل كبير من خلال تقليل الضرائب سواء على السلع أو المعدات، كما لتقليل ضرائب الدخل أن يُحدث زيادة في الاستهلاك مما يعني نموًا اقتصاديًا أكبر، فمعدلات أقل من الضرائب تعني قدرة للأفراد بتحقيق معدلات أعلى من الدخل القابل للتصرف "Disposable Income" وهو مقدار الدخل الذي يتبقى بعد خصم الضرائب.
وبزيادة الطلب والاستهلاك هذا سيعني حاجة أكبر من قبل المشغلين لتقديم خدمات أو تصنيع منتجات مما يتطلب عمالًا إضافيين للاستجابة لمعدلات الطلب، والذي سينعكس إيجابًا على تقليل معدلات البطالة، وبالنسبة للاقتصاد الأردني وبحسب بيانات البنك الدولي فإن استهلاك الأفراد المباشر بالإضافة إلى الاستهلاك من خلال الخدمات الاجتماعية المقدمة لهم من قبل الحكومة كنسبة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي تجاوز ال 80% في العام 2017.
وتستخدم الدول أيضًا السياسة المالية إذا دخل الاقتصاد في حالة الركود التضخمي وارتفعت معدلات البطالة مصحوبة بانخفاض قدرة الأفراد والأعمال على الإنفاق والاستثمار، وذلك من خلال تعويض الانخفاض الحاصل على الطلب بزيادة الإنفاق الحكومي على المشاريع الرأسمالية، وفي حال تنفيذ هذه المشاريع خصوصًا مشاريع البنى التحتية ستتطلب عمالة كبيرة لتنفيذها على المدى القصير، مما يعني تخفيضًا لمعدلات البطالة، بالإضافة إلى ذلك وعند الانتهاء منها سيكون لها نتائج تنموية تنعكس إيجابًا على الأنشطة الاقتصادية في مكان تنفيذ المشروع بشكل خاص وعلى الدولة بشكل عام.
الشكل الثاني من السياسات الاقتصادية مرتبط بالسياسة النقدية من خلال التحكم بالمعروض النقدي "Money Supply" من أجل تحفيز الطلب الإجمالي للمستهلكين والأعمال، وكلما زاد العرض النقدي قلّ سعر الفائدة على القروض حيث إن البنوك المركزية هي من يتحكم بهذه السياسة، فإذا تم خفض سعر الفائدة على القروض فإنه يزيد من الطلب عليها من قبل الشركات والأفراد من أجل توسيع الأعمال أو بدء أنشطة تجارية جديدة أو الاستهلاك مما يعني طلبًا أكبر على العمالة وتقليلًا للبطالة.
أيضًا وفي حال كان سعر الفائدة أقل سيؤثر ذلك على سعر صرف العملة مما ينعكس على تنافسية الصادرات المحلية، كما وفي حال تخفيض أو انخفاض قيمة العملة تصبح أسعار السلع المصنعة محليًا أقل بالنسبة للأسواق الخارجية، مما يُفترض أنه سيعزز القدرة التنافسية للمنتجات المحلية ويزيد الطلب عليها وبالتالي يرفع من حجم الصادرات.
وزيادة الطلب من الخارج تعني بالضرورة زيادة في الإنتاج والتي تتطلّب عمالة أكبر مما له أثر على معدلات التوظيف والبطالة والذي أيضًا سيعزز من ربحية الشركات وقدرتها على التوظيف مستقبلًا، إلا أن السياسة النقدية يجب توظيفها باتزان خوفًا من حصول التضخم في حال زاد الطلب داخل دولة ما بشكل كبير أو نقصت قيمة عملتها والذي قد يتطلب بالمقابل رفع سعر الفائدة أحيانًا لتقليل المعروض النقدي.
ومؤخرًا أقدمت الحكومة الأردنية على تنفيذ مبادرات إجتماعية متعددة متعلقة ببرامج تدخلات سوق العمل والتي سيكون لها الأثر الإيجابي في تقليل معدلات البطالة، ومن الواجب أن تتوازى هذه الجهود مع سياسة اقتصادية شاملة بشقيها المالي والنقدي لتحفز الاستثمار والاستهلاك مراعية الظروف الاستثنائية التي تواجه المالية العامة من عجز ومديونية وألا تكون النظرة آنية مالية بحتة، بل شاملة للاقتصاد الوطني من أجل تحقيق معدلات نمو معقولة تقلل من نسب البطالة وتحقق الأهداف التنموية طويلة المدى.