وهنا اقصد الرئيس الأوكراني الجديد المنتخب الفنان فلاديمير زيلينسكي سريع الحركة والضحوك ، وهو الذي بدأ شوطه الرئاسي الأول بعد فوزه الساحق على نظيره بيترو باراشينكا وبنسبة من الأصوات بلغت 73,15% بمبادرة الاتصال الهاتفي مع رئيس الفدرالية الروسية فلاديمير بوتين، وان كان المتحدث الأول فيها بوتين نفسه، ويبدو ان الرسالة الاوكرانية وصلت وقتها ومفادها بأن لا يقابل فلاديمير موسكو الفولاذي الا فلاديمير الفنان زعيم حزب "خادم الشعب" لترطيب الأجواء الأوكرانية الروسية تحديداً، وهو الذي مثل دور الرئيس عام 2015 في مسلسله خادم الشعب التلفزيوني، حاملاً هموم شعبه، ورغبته في محاربة الفساد، وبالوصول الى حل جذري للمسائل العالقة بين بلده اوكرانيا وجارته روسيا، وهي المتعلقة بملف المحتجزين، ووحدة الاراضي الاوكرانية ، وقضية منطقة الدونباس شرقاً، وسيادة اللغة الاوكرانية، وما يستجد من اعمال.
وإذا كان سلفه ومن سبقه بيترو باراشينكا قد لقب بملك الشوكولاته بسبب ما ملك ولا زال من مصانع في مجال الشوكولاته الشعببية (روشن)، والتي تصدر الى العالم والى روسيا ايضاً، فإن تكرار مكالمات زيلينسكي مع موسكو تضعه في دائرة ان يصبح ملكاً للهاتف ، وهو تعبير مجازي ودعابي من طرفي في زمن لا تمانع فيه روسيا ولا حتى رئيسها بوتين من لقاء زيلنسكي في الداخل الروسي أولاً ثم على ارض اوكرانيا، فلماذا الهاتف فقط؟
وللاقتراب من هذا الموضوع اكثر حري بي ان اشخص الاسباب لنجد بأن ارث الماضي، وحراك التيار البنديري، وتدخل رأس المال السياسي، وظهور ازمة الدونباس ، وبزوغ اسم صديق الظل للرئيس الأوكراني المدعو (كالامونسكي) الملياردير، والاعتقاد بأن روسيا تتدخل في مفاصل قضايا اوكرانيا، وامتلاكها للحلول، والقلق على مستقبل اقليم ( القرم) اوكرانياً ومن جانب الجناح الغربي ، ومسألة الرهائن، واختراق المياه الروسية ، وتغول اللغة الروسية في اوكرانيا، والزعامة الدينية المسيحية الارثذوكسية الروسية وفصلها عن اوكرانيا حسب النهج الاوكراني الجديد، واتفاقية مينسك، كلها مسائل دفعت باتجاه توجه القيادة الاوكرانية ورئيسها زيلينسكي لاستخدام الهاتف مع موسكو وعدم استعجال اللقاء المباشر، ولا ننسى هنا بأن موسكو بوتين توقعت مبكراً فوز زيلينسكي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ولم تتوقع في المقابل بشكل دقيق احتمال صعود باراشينكا ليصبح منافساً في الجولة الرئاسية الثانية، ومع هذا وذاك، فإن موسكو نفسها لم تتقدم خطوة واحدة باتجاه التهنئة لزيلينسكي بفوزه الرئاسي، واكتفت بمراقبة تصريحاته الناقدة لروسيا وخاصة في موضوع ضم اقليم القرم/ "الكريم".
وفي المقابل لم تمانع موسكو من استقبال مكالمات زيلينسكي ، وتجاوبت مع مطالب ( كييف)، وهو المتوقع دون ادنى شك خدمة للمصالح المشتركة بين البلدين الشقيقين روسيا واوكرانيا ، ولمواصلة المحادثات وسط رباعية ( النورماندي) كخطوة اولى على طريق الاصلاح لكلا الطرفين، وكانت المكالمة الاولى الرئاسية الاوكرانية الروسية بتاريخ 12/7/2019 بمبادرة اوكرانية افتتح الحديث فيها الرئيس بوتين، واستمرت 20 دقيقة ، وركزت على ضبط الوضع المتأزم شرق اوكرانيا روسياً خاصة بعد اختراق هدنة وقف اطلاق النار وقتها، ويذكر هنا بأن العلاقات الاوكرانية الروسية اصيبت بالجمود والتشنج نهاية عهد الرئيس السابق باراشينكا بسبب تحطيمه لاتفاقية مينسك 2014 ، التي رغبت من خلالها موسكو توقيع صلح دائم مع كييف بعد فرض الاستقرار على مناطق شرق اوكرانيا والدونباس تحديداً.
وجاءت المكالمة الثانية لزيلينسكي مع بوتين بتاريخ 7/9/2019 لتركز على اهمية تبادل السجناء، ولوقف اطلاق النار شرقاً في اوكرانيا، ولسحب القوات العسكرية خطوات الى الخلف عن حدود التماس، وتم فعلاً تحرير 150 رهينة اوكرانية و34 روسية وسط معادلة (الكل بالكل).
وبالمناسبة فان لإقليم القرم /"الكريم" تاريخ روسي سوفييتي مشترك ارتبط تحريكه صوب اوكرانيا مؤقتاً باسم الزعيم نيكيتا خرتشوف عام 1954 ولأسباب اقتصادية، وله حاضر بعودته في عهد بوتين الى عرين روسيا، وله مستقبل متطور ببقائه في العهدة الروسية لأهميته الاستراتيجية ذات العلاقة بأسطول البحر الاسود النووي، وبحكم الاستفتاء وبنسبة عالية وصلت الى 95% داخل الاقليم، ويقابل هذه المعادلة نصيحتي للدول العربية بإسناد التحام القرم مجدداً مع روسيا الاتحادية، وعودته الى بيته وأمه، وبعدم تسجيل نقطة تخدش العلاقات العربية الروسية لا سمح الله، وتسجل على انها حصلت تحت التأثير الأمريكي السياسي والحرب الباردة التي يريد لها الغرب بقيادة واشنطن ان تبقى مع ملف سباق التسلح لأسباب بعيدة المدى لا تبشر بالخير.