الحكومة والمعلمون والحاجة لأطر جديدة
د. مروان المعشر
18-09-2019 12:29 AM
أكتب هذا المقال وإضراب المعلمين في أسبوعه الثاني دون الوصول لحل للأزمة، ووسط الاتهامات من الجانبين بتعنت الطرف الآخر. من المفيد هنا ان نفكك بعض عناصر الأزمة للبحث عن حل ينصف المعلمين ويحل الازمة. وأرى ان هناك بعض الحقائق التي لا نستطيع تجاوزها بعد اليوم.
أولا: إن وضع المعلمين المعيشي مزرٍ، ولا يتناسب بشكل من الأشكال مع الأولوية المفترض أن تعطى لقطاع يحدد الى درجة كبيرة مستقبل البلاد وازدهارها. و لا يخفى على احد ان العديد من المعلمين يضطر الى مغادرة مدارسهم بعد
الحادية عشرة أو الثانية عشرة صباحا لعمل آخر لسد الحاجة، وان هذا الوضع المعيشي غير قابل للاستمرار.
ثانيا: لا تستطيع الحكومة معالجة الأزمة بالوسائل الأمنية. نحن نتكلم عن قطاع واسع أفراده من يعلم ابناءنا وبناتنا، ومن الخطأ الفادح استعمال لغة الوعيد، وتكرار ما حدث يوم الخميس في الخامس من هذا الشهر من إغلاقات أمنية غير مبررة، استفزت كل المواطنين وليس المعلمين فقط. ولا يجوز ان يتم وضع الشرطي في مواجهة المعلم، و كلاهما في خانة واحدة هي حماية الوطن و بنائه. لا تملك الحكومة ولا النقابة الا مواصلة الحوار ولا يجوز ان يكون هناك خيار آخر.
ثالثا: ولعل هذا هو لب القصيد. لقد وصلنا لمرحلة لا تستطيع فيها الحكومة معالجة مثل هكذا أزمات بالقطعة. فمن الواضح ان الوقت قد حان لوضع إطار جديد للموازنة وسبل الإنفاق، فالدنيا حولنا وبيننا تتغير، بينما طريقة إعداد الموازنة وسبل الإنفاق لم تتغير جذريا. فإن انخفضت ايرادات الدولة وخاصة الخارجية منها بسبب أفول مرحلة الاقتصاد الريعي، فقد حان الوقت لإعادة دراسة سبل إنفاق الدولة في كافة القطاعات دون استثناء باتجاه ترشيدها، واعادة رسم الأولويات وتوزيع الإنفاق وفق خريطة جديدة يتم وضعها بتوافق وطني عريض. كما لا تستطيع الحكومة بعد اليوم التمترس وراء ذريعة ان معظم ما في الموازنة إنفاق جارٍ لا يمكن المساس به. ماذا تكون الموازنة ان لم تمثل “موازنة” بين الإيرادات والنفقات وأوجه الصرف والاولويات؟
أقترح الآتي كحل للأزمة:
أولا: أن يعهد للجنة حكماء مقبولة من الطرفين مهمة التوسط بين الحكومة والنقابة وذلك لانعدام الثقة بينهما، ولإنهاء الإضراب وكفالة ما يتم التوصل له من اتفاق.
ثانيا: ان تتعهد الحكومة بالموافقة على علاوة شاملة تأخذ بعين الاعتبار الحد الأدنى من العيش الكريم للمعلمين وما هو ممكن في الموازنة الجديدة، وربما لا تصل الى خمسين بالمائة، ثم يتفق على مسار مهني يربط أي علاوة زائدة بعد ذلك بالاداء مع تحديد معايير وآلية تقييم هذا الاداء.
ثالثا: أن تتعهد الحكومة بمراجعة شاملة وجدية للإطار العام للموازنة، وإعادة رسم الأولويات، و من الطبيعي ان يكون اولوية قطاع التعليم على رأسها، وبالتالي يتم معالجة القطاعات في الموازنة بإطار شمولي وليس بالقطعة.
لقد دخلنا مرحلة جديدة في عمر هذا الوطن الحبيب، تقتضي فيها إدارة الموارد كما الدولة بطرق جديدة، وإن كنا تأخرنا في الماضي في القيام بإصلاحات ضرورية وهيكلية للموازنة بسبب اعتمادنا المفرط وغير المبرر على النظام الريعي، فإن انتهاء هذا النظام بات يفرض حقائق جديدة لم يعد باستطاعتنا تجاهلها. هناك حاجة بالغة لتعظيم الإيرادات عن طريق رفع الانتاجية وليس رفع الضرائب أو التوسع في القروض الخارجية، كما هناك حاجة بالغة لترشيد الانفاق الحكومي وإعادة رسم الأولويات وإعطاء قطاع التعليم ما يستحق من رعاية.
الغد