الحكومة ونقابة المعلمين ونظرية النوافذ المكسرة
السفير الدكتور موفق العجلوني
17-09-2019 12:37 AM
جذب انتباهي وانا أقراء كتاب " لا تستسلم.. خلاصة تجاربي " للدكتور جمال سند السويدي في الصفحة ٢٥٥ “: نظرية النوافذ المكسرة Broken Widows Theory، وهذه النظرية ذكرتني بواقع الحال بالنافذة المشتركة بين الحكومة ونقابة المعلمين والتي ادعو الله تعالى ان لا تصاب باي شعر وكسر.
ونظرية النوافذ المحطمة هي نظرية في علم الاجتماع والحيلولة دون وقوع الجريمة، حيث تشير إلى تأثير الفوضى والتخريب على المناطق الحضرية المتمثلة بالجرائم والسلوكيات المعادية للمجتمع. وهذه النظرية من نتاج فكر العالمين جيمس ويلسون وجورج كيلنج والتي نشرتها مجلة أتلانتيك الاميركية المعروفة في عددها الصادر في اذار عام ١٩٨٢. وتم صدور نظرية مماثلة في كتاب كلينج بالاشتراك مع كاترين لوز عام ١٩٩٧تدعى نظرية اصلاح النوافذ المكسرة: Fixing Broken Windows. و يمكن اختصار النوافذ المكسور او المحطمة بأن الكبائر تبدأ بالصغائر، أو أن النار تبدأ بشرارة ، أو صغائر الأمور بدايات عظائمها.
يرى كل من جيمس ويلسون وجورج كيلنج أن الجريمة هي نتاج الفوضى وعدم الالتزام بالنظام في المجتمعات البشرية. إذا حطم أحدهم نافذة زجاجية في الطريق العام، وتُركت هذه النافذة دون تصليح، فسيبدأ المارة في الظن بأنه لا أحد يهتم، وبالتالي فلا يوجد أحد يتولى زمام الأمور، ومن هنا تبدأ نوافذ أخرى تتحطم على ذات المنوال، وستبدأ الفوضى تعمّ البيت المقابل لهذا النافذة، ومنه إلى الشارع، ومنه إلى المجتمع كله.
لا تقتصر النظرية على النوافذ المحطمة فحسب، بل تشمل أيضاً المناطق المهجورة، ومراتع القمامة، والأركان المظلمة من الحواري والطرقات. وقد تكون البداية من مشكلات بسيطة نسبياً مثل الفوضى العامة، لكنها في الواقع تمثل دعوات إلى المزيد من الجرائم الخطيرة.
فكم من شيء بدأ كمشكلة بسيطة ثم تطورت في تعقيدها بعدد من المراحل والدوائر لتصبح نقطة تحول لنوع من الجرائم الخطيرة المنظمة، فلدينا قضايا وامثلة كثيرة في الشارع الاردني تقشعر الابدان لذكرها، وتدخل المجتمع والدولة بدوامة لها اول وليس لها اخر. وبالتالي يجب أن تردع تلك الأفعال من البداية قبل تفاقمها وتطورها وأخذها منحنيات أخرى.
فوجود النوافذ المكسورة في الشوارع يشجع المارة على كسر المزيد منها من باب العبث، ثم يتجرأ الفاعل فيكسر نوافذ اخرى، ثم يتحول العبث إلى جرأة فيتم اقتحام البيوت وسرقتها، او إتلافها، كذلك الحال بالنسبة لوجود بعض المخلفات البسيطة يشجّع على رمي المزيد من المخلفات والقمامة حتى ينعدم الذوق العام ولا يصبح للنظافة معنى.
جوهر النظرية مبني على علم النفس البشري الذي يقول بان الإنسان لديه قدرة وحب الانضباط والالتزام بالقوانين والآداب العامة متى ما توفرت له البيئة المشجعة على ذلك، وسرعان ما ينفك من هذا الالتزام متى ما رأى الانفلات من حوله.
هذه النظرية قلبت الموازين في كثير من الدول ، وغيرت في قوانين الإدارة عموما وفي الإدارة المدنية خصوصاً ، فقامت العديد من الدول المتقدمة بفرض الضرائب على كل من يرمي المخلفات في الشوارع مهما صغر حجمها ، ونُظفت الجدران يوميا من كل ما يكتب عليها ... وغُسلت وسائل المواصلات يوميا ونظفت ، فأحسّ الناس أن من واجبهم المساهمة في الحفاظ على هذا الإنجاز الحضاري ، وعلى مستوى المرور فُرضت الضرائب على كل مخالفة صغيرة (مهما صغرت) فقلّت المخالفات الكبيرة واختفت الحوادث ، وعلى المستوى الأمني تحولت المدن المعروفة بالإجرام والسطو والفوضى بعد تطبيق هذه النظرية إلى مدن أكثر أمناً ونظافة وترتيباً .. ثم تبنّت الإدارات الحكومية والمؤسسات الخاصة في هذه الدول هذه النظرية كأساس مهم في فن الإدارة لتطوير العمل ورفع الإنتاجية والارتقاء بالمنتج.
هل تستيقظ الحكومة ونقابة المعلمين لتطبيق نظرية اصلاح النوافذ المكسرة واعادة الطلاب الى مقاعدهم والمعلمين الى صفوفهم بدلاً من ان نذهب الى تكسير النوافذ او تحطيم النوافذ ونصل الى مرحلة عدم القدرة على اصلاحها. هل تستطيع الحكومة ونقابة المعلمين بدل كسر "النافذة الوحيدة" بينهما واغلاقها والعمل على المحافظة عليها وفتحها والجلوس معاً والحيلولة دون كسرها. لأنه لا قدر الله ان كسرت هذه النافذه او حتى اصابها شعر تكون العواقب وخيمة، لان الزجاج إذا انشعر لا توجد قوة في العالم على اعادته الى وضعه الطبيعي، وهذا الحال ينطبق على واقعنا الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وبالتالي علينا ان نعزز ونطبق نظرية اصلاح الزجاج المكسور: Fixing Broken Windows Theory..، وان يعود الطلاب الى مدارسهم، والمعلمين الى صفوفهم، لان الاخطر من نافذه الحكومة ونقابة المعلمين هي نوافذ الطلبة ونافذة التربية والتعليم والتي تأخذ الشعوب والامم الى نوافذ التقدم والرقي والنجاح والتي يجب ان تكون الاولوية بالمحافظة عليها.
وكلمة اخيرة لا بد من توجيه الشكر للمفكر والعلامة الدكتور جمال سند السويدي على كتابة القيم: "لا تستسلم.. خلاصة تجاربي " والذي يحمل الدروس والعبر في مجابة التحديات على المستوى الشخصي وعلى مستوى المجتمع وعدم الاستسلام مهما كانت العقبات والمحن. ومن هنا انصح ان يكون هذا الكتاب " لا تستسلم.. خلاصة تجاربي " مرجعاً للمفكرين والباحثين وفي متناول الجامعات والمكتبات والمعلمين والدارسين والمسؤولين في اتخاذ القرار.
وكما نلاحظ كيف استطاعت دولة الامارات العربية المتحدة بالحيلولة دون تكسير النوافذ، لا بل عملت على صناعة نوافذ لا تكسر ولا يتم اختراقها بفضل حكمة قيادتها ووعي شعبها. ولا ننسى الدور الريادي للمعلم الاردني في تخريج الاجيال في الدول العربية الشقيقة، فكيف الحال في وطنه الام. ونحن في الاردن والحمد لله كذلك ننعم بحكمة القيادة ووعي الشعب، والان الدور على الحكومة ونقابة المعلمين اللذين لا يقلا وعياً عن حكمة القيادة ووعي الشعب. والله ولي التوفيق.