لا أدري ان كان سمير سيقرأ هذه الكلمات لكنني أكتبها وفاء لاخ وصديق اقتحم المرض عليه عناده وشغبه، وجعله مضطرا للدخول الى غرف مركز الحسين للسرطان يبحث عن علاج لمرض كان يصر في اخر اتصال هاتفي معه (قبل ايام بعدما كانت النصيحة ان لا ادخل عليه) انه مرض يحتاج الى ارادة ورجولة في مواجهته.
الارادة في مواجهة المرض لا تعني عدم استسلام لارادة الله تعالى الذي يبتلي عباده بالمرض ليذكرهم ان الدنيا مهما كانت فإنها في لحظات تتحول الى ذكريات يتمنى صاحبها ان يستبدل كل متاعها بلحظات عافية.
سمير مثل معظم الأردنيين مواطن من فئة ابناء المزارعين والموظفين والعسكر، كان يحاول ان يبحث له عن مكان لكن وفق ما يعتقد. وقبل عام تقريبا حقق طموحا متأخرا عندما اكمل دراسته الجامعية بتفوق لانه لم يحقق هذا قبل ذلك. وكان يتحدث عن دراسات عليا، وكان مثلنا يبحث عن مصدر رزق مستقر فكانت الرأي آخر محطاته يكتب فيه قبل ان يتوقف منذ فترة وجيزة من مرضه. تحدث كثيرا عن البيئة وكان مزعجا لنفسه في اهتمامه بالزراعة.
نكتب عن الأحياء وهم يصارعون مرضا وأمراضا لاننا نكتب عن انفسنا فنحن قد نكون ضحايا لهذا المرض اللعين. وأذكر قبل اسبوعين تقريبا عندما اتصل يخبرني انه مريض في المستشفى التخصصي، تعاملت مع الامر على انه حالة مرضية عادية. وعندما زرته بعد يوم شعرت ببعض الخوف من عيون وأصوات بعض أهله الذين حوله.
في اليوم التالي، وكان يوم جمعة، ذهبت اليه قبل صلاة الجمعة لكنني وجدت غرفته فارغة لانه انتقل الى مركز الحسين فتبعته، لانني كنت أريد ان أتاكد أنني مع زميل وأخ وكادح، وكان في غرفته معلنا انه اصبح من ضحايا المرض اللعين. تحدثنا وكان حريصا على ان يعلن تحديه للمرض ورضاه بالقدر، لكن اسم هذا المستشفى وشراسة المرض تجعلنا نشعر بالخوف حتى لو كان المريض على وشك الشفاء، فكيف وهو في بداية الحرب.
اشهد انه تعامل بصبر مع البلاء، ولا نجد امام عجزنا الا الدعاء الى الله تعالى بالشفاء والأجر ومزيد من الصبر. واقول له "إننا لا نختار مصائبنا، لكننا نختار ان نصبر او نجزع"، والله يحاسبنا على ما نملك وجعل صبرنا مفتاحا لأجر كبير، فقال "وبشر الصابرين".
قد تكون هذه الكلمات بعض الوفاء لزميل وأخ كريم في مرضه الصعب، لكنها ايضا مواساة لنا جميعاً تذكرنا بأنّ الحياة هي ممر ولحظات، وان الانتقال منها قد لايحتاج الى اكثر من مرض يتسلل الينا او حادث سير مفاجئ، او ربما لحظات تغير القابنا الى اللقب الموحد الذي نمنحه لكل من غادرونا، ومع إيماننا بقضاء الله وقدر فإنّ دعاءنا أن يكون قدر سمير الحياة والصحة والانتصار في هذه المعركة الصعبة.
sameeh.almaitah@alghad.jo
الغد