نعم، من منا يستطيع ان يقول غير ذلك؛ المعلمون أيقونة الوطن قولاً وفعلاً، وأنا معلم مثلهم، وكنت اتابع قضيتهم وأزمتهم اثناء إجازتي الصيفية في موسكو عبر وسائل الاتصال المختلفة باهتمام كبير، وهنا اريد أن أدلي بدلوي باتزان وإنصاف، وأتحمل مسؤولية قولي، والوطن فوق الجميع، والدولة لنا جميعاً، والحكومة، أية حكومة لنا وهي وطنية وإن اختلفنا كمجتمع مع أدائها ولن تكون غير ذلك، وللمعلم المثابر أيضاً الاحترام كله، وله نرفع القبعات، ويبقى الطالب عنوان الحاضر والمستقبل.
نعم، دخل المعلم الشهري قليل، ومحدود، ولديه في معظم الأحوال عائلة كبيرة نوعاً ما، وله رسالة سامية ذات علاقة مباشرة بتربية وتعليم أجيال من الطلبة حملت العلم والمعرفة، لكنه ليس وحيداً في دائرة العوز، وضيق الحال بالمقارنة مع حجم البطالة الوطني (19%)، وبحجم الفقر المنتشر فوق مساحة وطننا الأردن الغالي (15.7%)، وفي المقابل أمام المعلم فرصة استراحة المحارب ( ثلاثة شهور سنوية مدفوعة الأجر)، الى جانب الدروس الخصوصية، وتعدادهم يفوق المائة الف معلم، ومع هذا وذاك نقول يعطيهم العافية، ولا بد من الفصل بين الحد الأدنى للرواتب وعلاوة ال50%، وهو أمر يقع على عاتق الدولة عبر حكومتها، ونقر بأن العلاوة المطلوبة استحقاق مهني وقانوني نقابي ومطلب مشروع بأثر رجعي منذ عام 2014، ودور الدولة يكمن في العدالة والانصاف علماً بأن (87%) من طلبة الأردن ملتحقون بالمدارس الحكومية عبر (3856) مدرسة، و200 الف طالب على مقاعد الصف الأول، و35 الف طالب انتقلوا من المدارس الخاصة للحكومية، والحكومة وضعت الحل فوق الطاولة وفق معادلة ترتكز على الكفاءة، بمعنى ان الكفاءة مقابل العلاوة، وأكثر حتى من 50%، لكننا نطالب بالفصل بين الحد الأدنى والعلاوة من جديد .
والملاحظ هنا ان سبل الحوار استنفذت حتى اللحظة، لكن تجديد الحوار ليس مستحيلاً، وعلى الافتاء ان يأخذ دوره في موضوع حرمان الطلبة من الجلوس على مقاعد الدراسة، وهو ما كفله الدستور لهم، ولا يجوز بأي شكل من الأشكال تحويل طلبة المدارس وعددهم كبير الى رهائن ودروع بشرية بيد نقابة المعلمين التي نحترم ونجل، وما كنت اتوقعه من النقابة هو ان تلتزم بمسارها المهني الوطني وان لا تخلطه بالايدلوجيا الحزبية خفيةً، بينما حرية التعبير والعمل الحزبي في الأردن علنيةً، ومع خالص التقدير بطبيعة الحال، ومن الصحي والطبيعي وجود المعارضة حتى يستقيم مسار الحكومة ويعتدل.
ولم أكن ارغب بأن تُصر نقابة المعلمين على تحويل ( الرابع) ميداناً لمظاهراتها واعتباره حقاً دستورياً تحت اسم راحلها الحجايا رحمه الله، رغم اعترافنا بمضامين الدستور وبنوده المنصفة لمثل هذا العمل، وكان هدف النقابة على ما يبدو هو تأجيج الشارع الأردني على الحكومة التي لا تملك المال فعلاً وفوراً، وطرحت البديل رغم المماطلة بالحل منذ عام 2014، ونأخذ هنا بعين الاعتبار بأن من واجب الحكومة ايضاً ترتيب اولوياتها وترشيد استهلاكها والقطاع الخاص، وضبط الفساد ومنه الكبير والمهاجر لصالح معالجة أزمات هامة وطنية مثل (المعلم ) وغيرها .
ولقد صرحت الحكومة ومن حقها اعتبار ميدان الرئاسة سياديا ًوخالي من المظاهرات لأسباب ذات علاقة بحيوية المكان المستخدم لأغراض علاجية سريعة، او بسبب انتشار السفارات الدبلوماسية القريبة من وسط العاصمة، وميدان الداخلية شبيه له في الموضوع، وطرحت ميدان مجلس الأمة بديلاً، ومن البديهي القول بأن الضغط على الحكومة ليس بالضرورة ان يأتي من ميدانها على الارض فقط، وانما من وسط اعلام الدولة في القطاعين العام والخاص، والاعلام العربي، والأجنبي ايضاً المنتشر والمتعدد القنوات بقوة تأثير تفوق الميدان، فجاء الاصطدام، والحجز، وتبعاته، وهو الذي نرفضه ويرفضه الطرفان النقابة والأمن، ومع خالص اعتزازي بجهاز أمننا العام وأجهزتنا الأمنية بكل تأكيد، والاعتذار سيد الموقف من قبل الجانب المخطئ بطبيعة الحال، وفي الاردن نمثل حالة وطنية واحدة ولا انقسامات الى سلطة ومعارضة ايدولوجية خفية.
اتمنى ان تجد علاوة ال (50%) مخرجاً آمناً ولصالح المعلم، وان يتعافى الوطن، والدولة، وان يتم حل كافة مشاكلنا الوطنية والاقليمية عبر منبر الحوار العادل، والوحدة العربية الحقيقية، ومن خلال الصندوق العربي المالي الواحد المشترك، واخيراً وليس آخراً ادعو مواصلة الحوار المنضبط بالوقت والنتائج المرضية والعادلة للطرفين وفقاً لأحكام الديمقراطية والدستور، والصبر وبعد النظر حاجة وطنية تعزز الانقاذ الوطني من بقايا الربيع العربي وانحرافاته لا محالة.