عادة ما تكون الصفحة الاولى من عهود الانظمة العقيديه دينيه كانت أو وضعية وطنية الطابع لكنها لا تلبث ان تجد نفسها في مواجهة مع المبادىء الديمقراطية حتى لو كانت هذه المبادىء هي من حملها الى مركز الحكم .
شيئاً فشيئاً تبدأ تلك الانظمة رحلة العودة الى طبيعتها الشمولية لتخوض غمار حرب اقصائيه مع كل رأي او كيان مخالف . فهي لا ترى صواباً لرأي غير رأيها ولا شرعية لموقف غير موقفها المصان بالعقيده .
سلطان تركيا اردوغان ينقلب اليوم على الديمقراطيه التي اوصلته الى سدة الحكم . خاصم اقرب مناصريه فتح الله غولن المقيم في امريكا وصاحب الفضل الاول في ايصاله للحكم. وتخلى عن اقرب رفاقه في الحزب والحكم فتخلى عن عبدالله غل رئيس الدولة السابق وعن وزير خارجيته ورئيس وزرائه السابق احمد داؤود اوغلو ووزير اقتصاده السابق علي باباجان ما دعاهم الى التفكير بترك حزب العدالة والتنمية باتجاه تأسيس حزب جديد .
يريد اردوغان أن يكون زعيماً لتركيا مثل مصطفى كمال باني تركيا الحديثه ونظامها المدني الديمقراطي . فقاده اجتهاده إلى نقل النظام البرلماني الى نظام رئاسي بسلطات واسعة له ، وبنى لرئاسته قصراً امبراطورياً وصار ينتظر لنفسه خليفة للمسلمين واميراً للمؤمنين .
لم يعد يرى قيمة للاصوات التي اوصلت المعارضة الى بلديتي اكبر مدينتين في تركيا ، انقره العاصمه واسطنبول مدينة الصناعه والسياحه الاكثر سكاناً . ولم يرف له جفن وهو يعترض على اصوات المعارضة حد المطالبه بإعادة الانتخابات فجاءت نتائج الإعاده لتكشف تراجع شعبيته على نحو قاسٍ .
ابواب سجونه ما تزال مفتوحة لاستقبال المزيد من افواج المعارضة من كبار الضباط ونخبة المدنيين من قضاة واساتذة جامعات ومعلمين صارفاً النظر عن خساراته الديمقراطية والشعبية كمن اخذته العزة بالاثم مثل اي نظام شمولي .
تركيا لن تترك مصيرها لفرد كائناً من كان ، والشعب التركي لن يعيش على احلام السلطان ويطلق يده ليقرر مستقبل تركيا التي تجاور اعرق الديمقراطيات في اوروبا بل وفي العالم . ولا بد من أنّ يكون له مراجعة مع النظام السلطاني الرئاسي والصلاحيات الواسعة التي احتفظ بها السلطان لنفسه .