اذا صدقت النوايا وصحت العزائم
حسين الرواشدة
13-09-2019 01:39 AM
يخطئ من يتصور بان «إقصاء» البعض أو تخويف الناس منهم مدخل «للتوافق» او «مخرج» من الازمة، وبأن وضع «الحجر الوطني» وظيفة طرف دون آخر، أو مهمة بديل على حساب أصيل، ويخطئ ايضا من يظن بان «انقسام» المجتمع دليل على العافية والنجاح، وبيع «الوهم» طريق الى إعادة الامل، وشراء الوقت سبيل للذهاب الى صيدلية الحل.
عندما اختلف أهل مكة على بناء «الركن» الذي هو الحجر الاسود في الكعبة، أشار عليهم ابو أمية المخزومي بان «يحتكموا» الى أول رجل يدخل من باب المسجد، فلما توافقوا على ذلك ورضوا به، دخل محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام «ولم يكن قد بعث آنذاك»، فأخبروه الخبر، فقال: هلموا ثوبا، فأتوا به، فوضع «الحجر الاسود» فيه ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب، ثم ارفعوه جميعا، فرفعوه حتى اذا بلغوا به موضعه، رفعه بيده، ثم بنى عليه.
هذا درس في ادارة الازمات، وأجدر الناس بان يلتفتوا اليه هم المسؤولون ، مهما كانت مواقعهم، ومعناه واضح وهو ان حمل مسؤولية «الوطن» وادارة شؤون الناس - وهي هنا مسألة مقدسة - لا يمكن ان ينهض بها فرد او فصيل او جماعة وانما تحتاج الى «توافق» الجميع، بحيث يفردون «انفسهم» معا ليحملوها، وتتشابك ايديهم معا ليتمكن من تحقيقها.
كان بوسع الرسول عليه السلام ان يحسم الجدل بين القوم، فيأخذ الحجر الاسود بيده ويرفعه بنفسه، وكان يمكن ان يقتنعوا بما فعل، لكنه أراد ان يقدم درسا آخر في «الشراكة» القائمة على التوافق والتفاهم. كبديل «للصراع» والانقسام، والمخرج للاستئثار بالمسؤولية وإقصاء الاخرين عنها سواء بذريعة احتكار الصواب او انحياز الاغلبية او غيرها من الحجج والمبررات.
نحن - للأسف - لم ننجح على امتداد السنوات المنصرفة التي مرت بوضع طاولة حوار وطني يلتقي حولها كافة القوى السياسية والاجتماعية لمناقشة ملف واحد عنوانه «الاصلاح «، والان نفشل ايضا في اللقاء على طاولة حوار لمناقشة تحدي (علاوة معلمين ) وهذا الفشل - بالطبع - لا يتحمل مسؤوليته طرف دون آخر، فالنقابة مثل الحكومة تماماً اعتقدتْ بأن «وصفتها» الجاهزة هي الاصلح والاقدر على اقناع الناس، وفي كل مرة يستشعر فيها طرف بأن الآخر جاهز للتنازل والبحث عن حد ادنى من التوافق سرعان ما يهرب الى مزيد من التصلب والتصعيد، وكأن «لعبة» العناد ( بسبب غياب الثقة) تحولت الى نوع من «المكاسرة» المغشوشة التي نكتشف الآن بأنها أضرت بالبلد، وعمقت أزمته اكثر فأكثر.
كل ما نعانيه ونشكو منه هو نتيجة لغياب «منطق» الحوار، وشيوع ثقافة العناد و «المناكدة» والمناكفة، ثم التفنن في انتاج مشروعات متجددة «للأزمة» بحيث يشتبك الجميع مع الجميع، وينشغل الكل بالكل» وندور في حلقة مغلقة وفارغة، ونتصور بأن ثمة رابحين وخاسرين فيما الحقيقة ان مجتمعنا كله هو الخاسر، واننا - جميعا - ضحايا لصراعات غير مفهومة ولا منتجة ولا ضرورية، واسرى لحالة يغيب فيها الروح والوعي، هذان اللذان لا ينبضان الا بوجود الحوار الذي هو اساس الحياة.
باختصار، دعونا نضع «حجرنا الوطني» المقدس على ثوب واحد، ونتوافق على حمله معا، وحينئذ ستدركون كم هي «سهلة» أزماتنا، وكم نحن قادرون على تجاوزها في نصف ساعة..هذا اذا صدقت النوايا وصحت العزائم.
الدستور