في غمرة انشغالات الأردنيين بإضراب المعلمين وأحداث الرمثا ووسط الجدل الدائر في الشارع الأردني حول مدى ملاءمة المعالجة الحكومية لإضراب المعلمين وما قبلها من أزمات يزخر الاقليم بأحداث وتفاعلات تلقي بظلالها على الأردن وتتطلب من الحكومة مواقف معبرة وواضحة. الأردن أبقى على مواقفه واشتباكه الدائم مع القضايا الاقليمية بالرغم من انشغالاته المحلية وتفكك منظومة الردع العربي التي ولدت مع تأسيس الجامعة العربية.
الاخبار العربية والعالمية مشبعة بتصريحات لنتنياهو وتسريبات صفقة القرن وانباء اقالة المستشار للامن القومي بولتين ودعوة السعودية لمؤتمر قمة اسلامية حول الاجراءات الاسرائيلية في القدس والاراضي العربية المحتلة. مع اقتراب موعد الانتخابات المبكرة التي دعت اليها الكنيست واحتدام المنافسة بين الاحزاب تشتد وتيرة الوعود ويرتفع سقفها.
سخونة الانتخابات واحتمالية فوز الائتلاف المنافس دفع بنتنياهو لرفع سقف الوعود متجاوزا ضم المستوطنات وتوحيد القدس ليصل الى ازالة صفة الاحتلال عن غور الاردن واعتبارها اراضي اسرائيلية وتسويق ذلك باعتباره اجراء مهما لتوفير عمق استراتيجي يخدم امن اسرائيل ويحقق حمايتها من الاخطار العربية.
امام هذه الوعود والاجراءات ووسط حالة التشتت والضعف العربي تختفي الاصوات العربية الرافضة وينشغل غالبية الساسة بالخلافات البينية والصراعات المذهبية التي اصبحت المحرك الاساسي لمن يملكون المال والسلاح، باستثناء الصوت الفلسطيني والاردني المتشبث بفكرة الشرعية الدولية والتذكير بأخطار ما يمكن ان تقوم به اسرائيل على فرص تحقيق السلام وحل الدولتين لا يوجد في الفضاء العربي من يكترث لاكثر من نيل رضا الادارة الامريكية والايقاع بخصومه من الاخوة والجيران.
بالرغم من تراجع تأثير وقوة الردع العربي على ما يمكن ان تقوم به اسرائيل ومن يقف معها الا ان الأردن ظل متمسكا بهذه القوة ومتجاهلا للتغيرات والواقع الذي حاول الاسرائيليون فرضه وتسويقه . استمرار استخدام الأردن لمفردات عملية السلام وحل الدولتين بالرغم اختفاء ذلك من ادبيات الكثيرين تكتيك سليم وحكيم .
ففي هذا الموقف تجاهل لكافة الاجراءات الاحادية التي اتخذتها اسرائيل وباركتها الولايات المتحدة. ومن ناحية اخرى يبقى الأردن حارسا للشرعية الدولية ومنبها العالم لخطورة ما يجري على الارض وانحرافه عن الشرعية التي اقرها العالم. التصريحات التي جاءت على لسان وزير الخارجية الأردني تقول بوضوح ان الاردن لا ولن يعترف او يقبل بالاستيطان ولا بضم الاراضي ولا بمسار الجدار العازل وهو يرفض نقل السفارة وسائر الاجراءات التي اتخذها الاسرائيليون بشكل أحادي فالمرجعية التي نعترف بها هي القرارات الاممية وكل ما يجري على الارض لا قيمة له ما دام يتعارض معها.
القوة التي يتمتع بها الاردن لا تأتي من اعداد الجنود ولا حداثة الطائرات والصواريخ بل من ثباته على المواقف والتزامه بالشرعية الدولية وبغير ذلك فلا قيمة لأي تصريح ولا ضمان لأي موقف يحيد عن الثوابت التي اقرتها المجالس والهيئات الاممية.
الامة العربية لم تعد تملك مشروعا للوقوف في وجه الاطماع الصهيونية وتحرير الارض العربية والحفاظ على هويتها القومية والدينية كما كانت . فقد تفتتت المواقف واعيد ترتيب الاولويات وتزعزع مفهوم الاخوة وتبدلت القيم التي جعلت من الامة كيانا واحدا.
لقد انتهى الزمن الذي ادرجت فيه القضية الفلسطينية على اجندة العمل العربي المشترك باعتبارها قضية الامة الاولى التي يعمل الجميع على نصرتها يوم انقسم العالم العربي الى مجموعتين عرفت الاولى بالمواجهة “الصمود والتصدي ” وعرفت الثانية بالدعم والمساندة فدخلت جيوش الدول المجاورة لفلسطين في حروب متتالية مع المنظمات الصهيونية وتولت الدول الاكثر ثراء مساعدة واسناد جيوش المواجهة وتسليحها.
مصر والاردن وسورية ولبنان كانت خط التماس الاول مع المنظمات اليهودية التي تشكلت من الضباط والقيادات المدربة العائدة للتو من ميادين الحرب العالمية الثانية التي استمرت لسنوات في حين كانت كوادر الجيوش العربية من المتطوعين والمجندين ممن لم يسبق لهم الدخول في الحرب واستعمال السلاح.
الامة العربية دخلت مرحلة التشظي ولكل قطر من اقطارها اهتماماته واهدافه، في ظل هذه الاوضاع فان لا سند للقضية الفلسطينية غير الشرعية الدولية والضمير الانساني الذي نتمنى اكتمال صحوته اسرع مما نتوقع.
الغد