إسرائيل لا تريد دولة للفلسطينين .. د. حسام العتوم
04-11-2009 11:36 PM
نحن العرب من المحيط إلى الخليج مسيحيين ومسلمين نريد للفلسطينيين دولة مزدهرة مستقرة على أرض فلسطين تكون عاصمتها القدس الشرقية، وحسب قرارات الأمم المتحدة (224-338)، وتكون خالية من المستوطنات اليهودية أو من ساكنيها اليهود مع ضمان حق العودة إلى أرض فلسطين بمن هجر عنها قسرا بقوة السلاح عام 1967م، وحق التعويض بسبب ما لحق بالفلسطينيين من أذى معنوي ومادي جراء الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، لكن إسرائيل لا تريد للفلسطينيين ذلك، ولا تريده للعرب أيضا، وفي المقابل قبلت إسرائيل بدولة مصر بعد معاهدتها معها للسلام عام 1979، وقبلت بدولة الأردن بعد معاهدتها معها عام 1994م، وهي تريد بنفس الوقت للفلسطينيين (دولة) على مقياس معاهدتي السلام المصرية والأردنية لا أكثر ولا أقل، والأفضل بدولة معتدلة مسالمة خالية من صوت المعارضة (المسلحة) مثل صوت حركة حماس العربية المسلمة التحريرية، وتقبل إسرائيل بدولة لبنان لكن من دون حزب الله المعارض المسلح والأكثر تطورا في السلاح وسط حركات التحرر العربية المسلمة، وتقبل بدولة سورية ذات الخط الممانع المقاوم والمعارض لكنها ترفض إعادة الجولان لها من دون شروط سلام إسرائيلية تبدأ بالسيطرة على منابع المياه العربية وبإخلاء المنطقة من السلاح العربي المهدد لوجودها بالخطر، وهي أي إسرائيل لا ترى في دول الخليج العربي الثرية منابع تهديد لها، لكنها لا ترتاح لأيديولوجيا الدولة اليمنية القومية الوحدوية المناهضة لوجودها غير الشرعي على أرض فلسطين والمساندة لحركة حماس المقاومة لاحتلالها لفلسطين، وسبق لإسرائيل أن تدخلت مباشرة في هدم دولة عراق صدام حسين وقادت أمريكا من ربطة عنقها إلى ذلك، وكانت أي إسرائيل فرحة لتخلي دولة ليبيا عن مشروعها النووي وغير التقليدي بصفتها مواجهة لها من جهة البحر المتوسط، وسبق للزعيم الإسرائيلي شيمون بيريز أن تساءل يوما لماذا يريد العرب دولة للفلسطينيين بينما لم يطالبوا بهكذا مشروع دولة عندما كانت فلسطين تمثل الجناح الغربي للملكة الأردنية الهاشمية في عهد ملوك الأردن أصحاب الجلالة السابقين عبد الله الأول وطلال والحسين رحمهم الله؟ هنا نقول لبيريز ولغيره من زعماء إسرائيل بأن فلسطين (1967) عندما كانت جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية لم تكن محتلة وجاء ضمها للأردن لإنقاذها من احتلال إسرائيلي متوقع وحصل لاحقا، خاصة بعد وقوع نكبة 1948م، وضياع حوالي 80% من أرض فلسطين، وبعد ذلك عندما قرر الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر أن يضع فلسطين التاريخية وسط إستراتيجيته القومية من أجل تحريرها من أنياب الاحتلال الصهيوني بعد رفعه لشعار (ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة)، وبعد استثماره لشعار سوريا التي لا زالت ترفعه حتى الآن (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة)، وبعد استثماره لشعار الأردن في عهد الملك الراحل الملك الحسين، (العرب أولا)، وقعت فلسطين كاملة تحت سيطرت إسرائيل بالإضافة للجولان السورية، وسيناء المصرية، آنذاك وبقي الفلسطينيون بلا دولة تحمي وترعى مصالحهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، سواء من بقي منهم في فلسطين أو من غادرها إلى بلاد الجوار العربية والمهجر.
نواة ميلاد فكرة بناء الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف كما نعتقد تعود لقرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين إلى دولتين عام 1947، ولقمة مؤتمر الرباط العربي عام 1974 لاحقا، بشكلها السياسي الرسمي عندما طالب الزعماء العرب آنذاك الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للفلسطينيين وطلب من الأردن ومن كل العرب إسناد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الفلسطيني، لكن إسرائيل استغلت هذه الخطوة العربية واستثمرتها للإنفراد بالفلسطينيين من أجل الانقضاض عليهم بمعزل عن عمقهم العربي، ومن أجل تشجيعهم على الانقسام والاحتراب حتى لا تقوم الدولة المنشودة وهو ما حصل لاحقا، وما نراه اليوم بالعين المجردة، وما نسمعه بآذاننا، فأصبحت الديمقراطية الفلسطينية وللأسف تعني التصادم بين حركتي (فتح) و (حماس)، بدلا من التفاهم والتلاحم، وبدلا من تحريك رقعة شطرنج السياسة على الساحة الفلسطينية مع إسرائيل بشكل يجمع بين الذكاء والتذاكي فتكون فتح في السلطة تحاور العدو تارة وحماس في الشارع تعارض تارة أخرى، ثم يلتقي الطرفان ويتصالحان أمام بوابة تحرير فلسطين الـ 1967 وقيام الدولة، وإذا ما أحدقنا النظر في إسرائيل نجدها تمارس السياسة على شاكلة مختلفة وكذلك الأمر بالنسبة للديمقراطية عندها فتارة يصعد حزب العمل ليمارس الحوار وتارة أخرى يصعد الليكود ليمارس المعارضة، ثم ينقلب الصعود من المعارضة إلى السلطة عندهم لكن أمن إسرائيل ومصلحتها تبقى فوق كل اعتبار في بلادهم، ونواة حل الدولتين التي ينادي بها العالم اليوم تعود جذورها الحقيقية كما يكتب د. مروان المعشر، في كتابه (نهج الاعتدال العربي، ص 37-38) إلي تشكل مدرستين داخل النظام السياسي الأردني حول علاقة الأردن بالضفة الغربية، واحدة معارضة لقيام الدولة الفلسطينية إلى جوار الأردن لأسباب أمنية أردنية والتي شكلت على ما يبدو رأي الأقلية والثانية اعتبرت قيام الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة سيكون خطوة إيجابية للفلسطينيين وللأردن، وشكلت رأي الأغلبية بسبب الحاجة لدفن مشروع (الليكود) المزعوم (الأردن هو فلسطين، أو الوطن البديل)، ولترسيخ الهوية الأردنية أمام إمكانية بناء هوية فلسطينية على أرض فلسطين كما يتضح، وجاء قرار فك الارتباط تاريخ31/تموز/1988م ليدفع بهذا الاتجاه الوطني الأردني وهو الذي أعلنه عظيم الأردن جلالة مليكنا الراحل الحسين طيب الله ثراه تلبية لقمة فاس التي أجمعت على قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وسبق القرار هذا إلغاء الأردن لخطته للتنمية في الأرض المحتلة تاريخ 28/تموز/1988م تلبية لقيمة الجزائر غير العادية التي عكست التوجه والالتزام العربيين بمساندة الشعب العربي الفلسطيني في نضاله البطولي لتحقيق أهدافه الوطنية بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وتوسط قرار فك الارتباط وإلغاء الخطة التنموية تلك صدور قرار ملكي تاريخ 30/تموز/1988م بحل مجلس النواب لفصل نواب الضفة الغربية عن نواب الأردن، ورفع الصفة التمثيلية الدستورية الأردنية عنهم، ومع هذا لا زالت تلك القرارات السياسية الأردنية تقابل بالنقد من قبل المعارضين للاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للفلسطينيين، وإبعاد القضية الفلسطينية عن المظلة العربية، وقابل هذه المعادلة توقيع الأردن لمعاهدة سلام دولية مع إسرائيل عام 1994م، لتثبيت الحقوق الوطنية الأردنية السيادية المائية والجغرافية، ويطلق الأردن عام 2004م بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني خارطة طريق للوصول إلى التسوية النهائية بعد الطريق الذي ربط السلام بين مدريد وأوسلو وهو السلام الذي لا زال متعثرا حتى الساعة للأسف بسبب النوايا غير الطيبة والمؤامرات والاختناقات السياسية المتكررة الإسرائيلية.
الشارع الإسرائيلي كما دولة الليكود الإسرائيلية بزعامة نيتنياهو لا يريد السلام ولا يرغب بأن تبنى بجواره دولة فلسطينية تكون عاصمتها القدس الشريف والأقصى المبارك، وتكون نظيفة من المستوطنات اليهودية غير الشرعية، وخالية من الجدران الاصطناعية الإسمنتية، وقابلة لاستقبال المهجرين الفلسطينيين قسرا، ويريد من الفلسطينيين الاعتراف أولا بدولة (إسرائيل) على أرض فلسطين التاريخية بحيث تكون خالية من العرب ومن أهل فلسطين تحديدا، ويطالب الفلسطينيين بالابتعاد عن ممارسة (العنف) حتى لو كان مقاومة ضد الاحتلال، بينما هو أي الشارع الإسرائيلي ودولته الإحتلالية يمارسون العنف والإرهاب بمناسبة ومن دون مناسبة، وجريمة غزة البشعة وما قبلها من جرائم إسرائيلية في فلسطين وفي جنوب لبنان ووسط أراضي العرب خير شاهد، فحزب (كاديما) الذي تأسس عام 2005م، يدعو لدولة يهودية لعاصمتين (تل أبيب والقدس) وخالية من العرب ولاعتبار المقاومة العربية الوطنية النظيفة (إرهابية)، كما يدعو لإقامة دولة فلسطينية ناقصة السيادة، وحزر (العمل) الذي تأسس عام 1968م، ينادي بخيار حل الدولتين وإخلاء المستوطنات وبالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وحزب (الليكود) الذي تأسس عام 1973م، يدعو لرفض حق العودة لمن هجر من الفلسطينيين عامي 1948 و 1967م وبالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وهو الحزب المتطرف الذي يتزعمه الإرهابي نيتنياهو حاليا، وحزب (شاس) الديني التوراتي الشرقي يدعو إلى يهودية الدولة الإسرائيلية وإلى ضمان أمن إسرائيل، وحزب إسرائيل بيتنا الذي أسسه اليهودي المنحرف والمتطرف (أفيجدور ليبرمان) عام 1999م، يدعو لاعتبار عرب فلسطين الداخل المهدد الثاني لأمن إسرائيل بعد إيران ومشروعها النووي العسكري الغامض، ويقابل هذا الجمع من الأحزاب الإسرائيلية أحزاب عقلانية تعمل بصوت خافت مثل حزب (ميرتس) الذي تأسس عام 1992م وينادي بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإخلاء المستوطنات من ساكنيها اليهود والوصول إلى سلام مع العرب، وحزب التجمع الديمقراطي العربي (بلد) الذي أسسه المناضل العربي الفلسطيني د. عزمي بشارة عام 1995م، يدعو إلى المساواة بين اليهود العرب داخل دولة إسرائيل التي نحرص نحن العرب على تسميتها فلسطين التاريخية، ويدعو لسلام مشرف وحل عادل للمسألة الفلسطينية بعد إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإزالة المستوطنات اليهودية التي أقيمت بعد حرب 1967م، كما يدعو لإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة تكون عاصمتها القدس الشرقية إلى جانب دولة إسرائيل، وإلى انسحاب إسرائيل من باقي الدول العربية، مثل سوريا ولبنان، وإلى جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل، وتتفق طروحات د. بشارة كما نقرأ مع طروحات القائمة العربية الإسلامية الموحدة التي تأسست عام 1992، وأخيرا وليس آخرا وكما أعتقد وألاحظ سيبقى المسار الفلسطيني يراوح مكانه وربما سيتراجع أكثر عن المكان السياسي الذي وصل إليه بعد مسيرة حافلة بالكفاح والنضال والشهادة امتدت منذ عام 1948م ما لم تلتحم الجبهة الفلسطينية (سلطة ومعارضة) تحت راية العلم الفلسطيني وتحت راية تحرير فلسطين الـ 1967م وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف من دون تردد، وتحت راية الاعتراف الموحد بتقرير القاضي (ريتشارد غولد ستون) الذي أدان إسرائيل أولا على جريمتها اللإنسانية في غزة خاصة بعد اعتماده من قبل لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة والذي نأمل أن يوصله العرب إلى مجلس الأمن وحتى بغض النظر عن النتيجة، فإسرائيل الرافضة للسلام تستحق أن ننشر غسيلها الوسخ كما هو، وآخر ما يمكنني قوله هنا بأن لا انتصار حقيقي بالسلام من غير وحدة عربية وعلى كافة المستويات الإدارية والعسكرية (جيوشا ومقاومة) والمالية أيضا فهل يقرع العرب الجرس بهذا الاتجاه ويلتفون حول قدسهم المهدد من قبل إسرائيل (أورشليم) صاحب التاريخ الكنعاني العريق منذ عام 1991ق.م؟ وهل يصغي العرب لنداء جلالة الملك عبد الله الثاني باعتبار القدس خطا أحمر؟