طالما أن جعبة الفرقاء يتم حشوها بذخيرة المغالبة وليس بأدوات التوافق فستبقى مبادرات الحوار هي شعارات بلا مضمون يتم حوله الحديث البناء ولا نتائج إيجابية مرتجاه وهو بحكم المنعدم واقعياً لانعدام الأرضية التي يمكن أن تتقاطع عليها وجهات النظر المتباينة ، ويبقى الحوار الحقيقي الذي يفضي إلى مخرجات مثمرة موقوف التنفيذ حتى تترسّخ القناعة بأن لا جدوى من الإستمرار في عضِّ الأصابع التي وإن أفضت مرحلياً إلى الإذعان من طرف من الأطراف إلاّ أنّ ذلك سيقود إلى جولات قادمة سيستجمع فيها كل فريق قوته وطاقته ويعود إلى المواجهة من جديد .
وأقول ذلك من إيحاءات الأزمة التي نمرُّ بها جميعاً بين الحكومة التي تتذرّع بعدم الإمكانية في مواجهة كل المطالبات لزيادة الإنفاق ؛ اللهم إلاّ في بعض الأبواب الإنتقائية والفئوية وغير العادلة ربما ، من جهة ونقابة المعلمين التي تمثل الشريحة الأوسع من موظفي القطاع الحيوي الذي يمس حياة كل المواطنين من جهة أخرى .
ولم تستطع الحكومة التي حاولت بأساليب كثيرة وغير موفقة أن تحشد الدعم الكافي الذي يمكنها من كسر إرادة المعلمين ونقابتهم ضمن مدّة تضمن لها سلامتها من الولوج إلى خيارات غير آمنة في إتخاذ قرارات لها ما بعدها وها هو الإضراب مستمر إلى وقت كتابة هذا المقال ولا ندري إلى متى سيستمر بعد هذا اليوم الرابع منه .
وقد كان الترقب لظهور رئيس الحكومة للحديث حول هذه الأزمة مربوط بالآمال خاصةً وأن الغياب كان قد طال نسبياً ونحن نقول في موروثنا الشعبي " من طوّل الغيبات جاب الغنايم " وإذا بالرئيس يأتي بعد الغياب بما يوحي بلغة الوعيد التي لا تناسب الظرف ولا تنسجم مع موقعه في السلطة ، وجاءت لغة الرئيس كمن يلقي على النار بنزيناً وكان المأمول منه أن يلوم من كان سبباً في تفجير الأزمة بلا مبرر معتبر .
ولعله من المفيد اليوم وقبل غدٍ أن يكون هناك حوارٌ وطني يتم فيه البحث ليس فقط في أزمة إضراب المعلمين وإنما في الأسباب الحقيقية والدوافع لهذه الأزمة وغيرها من الأزمات المشابهة . وما أزمة إضراب المعلمين إلا حلقة في سلسلة أزمات متوقعة هي نتاج تراكمات من ممارسات رسمية خلقت اختلالات واضحة للعيان من تغييب للعدالة الاجتماعية مما ولّد كل هذا الحجم من التذمّر والتبرّم والإحتقان والاحتجاج .
كان يمكن للمعلمين وغير المعلمين أن يتحمّلوا أية ظروف استثنائية تمر بالوطن لو كانت الهموم توزع بعدالة والمكتسبات والامتيازات تتوزع بعدالة وتكافؤ الفرص حقيقة واقعة وليست شعارات فارغة وضحك على الذقون .
ولعل بعض الإجابة عن أسباب أزماتنا كان في ردّ أحد المسؤولين يوماً على سائل عن تنقّل أحد أبناء الذوات من موقع إلى موقع كما النحلة التي تغتصب رحيق الأزهار بأن الإبن له حق في أن يجني ثمن خدمة أبيه للبلد وما كان الأب يوماً إلاّ متنعما بالسلطة والمواقع ولم يتحمّل للحظة خطورة أو مخاطرة في خدمة الوطن الذي فيه أبناء شهداء ضحوا بأرواحهم وأبناء عسكر وفلاحين وموظفين وكادحين ومغيبين عن كل المغانم وحاضرين في كل المغارم هم خدموا البلد كما لم يخدمه أولئك المدّعون الذين يتوارثون التجاوزات والامتيازات كابراً عن كابر ومن والدٍ إلى ولد .
ليس من مصلحة الوطن هذه الإصطفافات التكسبية من أيٍّ كان إلى جانب أيٍّ كان لأنها لا تؤدي إلاّ إلى مزيد من التأزيم .
وحين يربط المتنعمون بخيرات الوطن بغير حق في أزمته على بطونهم حجراً فسيربط المعلمون ونحن وسائر الفقراء في الوطن العزيز على بطونهم حجرين .