في قراءة الفلسفة نتعلم كيف نفكر ، ونبتعد عن الاعتيادية القاتلة للتفكير ، التي تجعلنا نرى كل شيىء من حولنا طبيعياً ، نسلم به ونقبله كما هو دونما نقاش . ثم نتهيأ لكي لا نتقبل اي تغيير قد يطرأ عليه .
هذا ما يقوله المفكر والروائي السويدي جوستاين غاردر في روايته المميزة (عالم صوفي ) التي نال عليها أعلى جائزة في بلاده " اننا نتعود ونحن نكبر على اشياء كثيرة ونخلص لأن نرى كل شيىء طبيعياً . ويبدو انه مع العمر لا يظل هناك ما يدهشنا . ونفقد بذلك شيئاً أساسياً هو ما يحاول الفلاسفة إيقاظه فنياً ".
ويعود ليوضح " ان نتفلسف يعني ان نفكر ، أي أن لا نقبل الاشياء كما اعتدنا كأمر طبيعي بينما هي ليست طبيعية الا بحكم التعود عليها . وكلما زادت الاشياء إعتيادية تكون خسارتنا من مخزون الدهشة اكثر " ويخلص الى ما قاله فيلسوف اغريقي قديم " إن الميزة الوحيدة اللازمة لتصبح فيلسوفاً – اي تعرف طريقك للتفكير – هي أن تندهش".
أين ثقافتنا من كيمياء الدهشه ؟ ومن كنه اكتشاف طرائق إلى التفكير ؟ ليست مشكلتنا في توقف الاجتهاد في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) واجترارنا لمخلفات السلف لما يزيد عن الف عام . مشكلتنا الاكبر أننا حوصرنا خلال هذه المدة الطويلة خارج الفلسفة التي كانت فاتحة عصر التنوير والتقدم لمجتمعات سعت وجّدت ونهضت.
غياب الفلسفة في حياتنا أفقدنا نعمة التساؤل والتفكر في قوانين الكون ، ومعاني الوجود ، ومغازي الحياة ، ورسالة الانسان . وبتنا أسرى لما قُدم لنا على انه حقائق مطلقة لاحقائق غيرها ، وباتت التساؤلات عن كنهها تابوهات غير قابلة للنقاش.
في هكذا إطار احتشدت في ثقافتنا خلائط من افكار السلف وموروث الاعتيادية التي تركتنا لغيرنا يفكر عنّا ليملي علينا حقائقه المطلقة والنهائيه ، وليرسخ فينا بناءً هائلاً من ثقافة الاستسلام مؤذنة بطلاق بائن بين اجيالنا المتعاقبه وحرية التفكير امتدت لعشرة قرون.
حتى القراءه صار بيننا وبينها فراق وخصام ، والكتابة كذلك ، وصار الفرق بين ما نقرأ ونكتب وبين ما تقرأ وتكتب المجتمعات الناهضة كمثل الفرق بين من يندهش ويفكر ويتدبر ومن تختطفه الاعتياديه لتستولي عليه فيتوه ويتعثر.