من اسهل المهن ان يصبح المرء تاجر شنطة ، بعض المهن ، يحولها اصحابها من مسماها الاساسي الى مسمى اخر ، هو تاجر الشنطة ، وتاجر الشنطة مهنة قديمة جديدة.
تاجر الشنطة هو ذاك الذي كان يضع في حقيبته مسلتزمات مختلفة ، فيبيع لهذه الشمطاء في القرى كحل عيون ، ويبيع لتلك طلاء للاظافر ، ويبيع لثالثة صابونا ، وتوصيه الرابعة على سلعة محددة كحجر لفرك الاقدام فيجلبها مقابل "ثمن معلوم" وهكذا لا يكون لتاجر الشنطة اي علاقة بأي باب يطرقه في القرى البعيدة ، سوى علاقة المنفعة ، والمنافع المتبادلة ، لا يهمه المرأة التي امامه ان كانت شقراء ام صفراء ، ما يهمه فقط هو بيع بضاعته ، وهي في الاغلب رخيصة ورديئة ، غير ان تاجر الشنطة يغلب اصحاب المتاجر المحترمة ، لانه يطرق ابواب الناس ، بوقاحة ، ولانه لا يمانع في صرف كلمات المديح والتبجيل لمن تسوى ولا تسوى من النسوة ، من اجل بيع بضاعته ، فالمهم هو الجيب العامر.
هذه هي قصة "تاجر الشنطة" وهي مهنة لم تنقرض ، على عكس ظن بعضنا ، ذات المهنة ، تعرضت الى الاستنساخ والتطوير ، فتجد اصحاب مهن اخرى ، عبارة عن "تاجر شنطة" تحت مسميات مختلفة ، حقيبته مليئة بالمواقف ، تارة مع الدولة وتارة مع المعارضة ، وتارة مع حماس ، وتارة مع فتح ، تارة مع السنة ، وتارة مع الشيعة ، تارة مع السلطة وتارة ضد السلطة ، تارة مع الانتخابات ، وتارة مع التعيين ، يشرح لك عن اهمية ماء زمزم ويشرب "الويسكي" خلسة ، يقول للناس شيئا ، ويفعل شيئا اخر ، ويقول كلاما في النهار ، يفعل عكسه في الليل ، يؤمن بالحريات لكنه لا يمانع ببعض الاضطهادات ، تاجرالشنطة موجود في كل مكان ، تراه في كل موقع وكل مكان ، ويتسم بانفصام الشخصية ، وتغيير الشخصيات ، مثلما نغير القمصان كل صباح وكل ظهيرة ، وكل مساء.
تاجر الشنطة ايضا ولد بلا ضمير ، بحثوا عن ضميره عند الولاده ، فلم يجدوه ، وتم اعتبار الامر بمثابة عيب خلقي ، وصّدروا له شهادة ميلاد تقول انه ولد بلا ضمير ، لان من يكون تاجر شنطه في المبدأ والمعتقد ، يكون في الاغلب بلا ضمير ، ولا يمكن ان نصدق ان ضميره تعرض للاختطاف على الطريق ، لان من يتعرض ضميره للاختطاف على الطريق مؤهل لاستعادة ضميره ذات لحظة ، او ذات هداية ربانية ، بعضنا يلعب على كل الحبال ، ويقفز من ضفة الى ضفة مثل ضفدع رطب ، ويريد ان تصدق ان صوت نقيقه هو طرب اصيل ، او ان تتركه يقفز على الاكتاف ، باعتباره ينفذ خطة للكشف والاستكشاف.
محزنة بعض نخبنا ، حين تتحول الى "تاجر شنطة" في الحياة السياسية والاجتماعية والاعلامية والحزبية والنيابية ، وغير ذلك من صعد ، محزنة هذه النخب التي تظن ان مهنة "تاجر شنطة" تثبت انهم براغماتيون او انهم عمليون او انهم من ذوي المرونة والسيولة ، وهم مجرد "كائنات هلامية" لا لون لها ولا طعم ، بلا مصداقية ، لان تاجر الشنطة انكشف في القرى منذ زمن بعيد ، بأنه لا يتوانى عن بيع بضائع مغشوشة ، ولا يتوانى عن غمز نسوة الحي ، واشعار كل واحدة انه يغمزها وحدها ، فقط ، فيما يتبين ان عينه امست "حولاء" من شدة الغمز والتغامز.
ان تكون صاحب مبدأ وخط واضح وثابت ، افضل بكثير من ان تسمى تاجر شنطة ، فلم يدمر قضايانا ، ويخرب عالمنا ، سوى تجار الشنطة ، الذين يعتبرون ان كل القضايا الكبرى وكل القضايا الوطنية قابلة لمنح خصومات ، على طريقة علب المكياج الرديئة التي تباع بنصف السعر ، حتى لا تكسد في شنطة التاجر.
كم عدد تجار الشنطة لدينا؟ سؤال برسم الاجابة.
mtair@addustour.com.jo