الأقلام النسائية في الشأن السياسي لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة، وهذه الندرة في نماذج الكاتبات السياسيات ليست في الأردن وحده . فالمتنقل بين الصحف بشكل دائم يلحظ أن المرأة تكاد تكون غائبة عن كتابة العمود السياسي، وأن نموذج الكاتبة السياسية يكاد يكون معدوما وفي هذا نشير إلى المرأة والمجتمع كطرفين يتشاركان في تحمل مسؤولية هذا الغياب.
تصطدم المرأة بواقعها أكثر من مرة في أكثر من مجال وبأكثر من عقبة، وتضطر كثيرا أو قليلا للرضوخ المشروط بالقبول الاجتماعي، وهي عوامل تحد من خوضها مجالات عديدة أحدها الغمار السياسي ولو عن طريق العمود الصحفي، فهي تهاب تبعات الكتابة السياسية بما فيها من أهواء متصارعة واصطفافات وقوى شد وجذب ومسؤولية مليئة بالألغام . كذلك، فالكتابة السياسية تتطلب بشكل رئيسي امتلاك المعلومة بطريق الاختلاط بأصحاب الرأي وصناع القرار وفئات المجتمع العامة والخاصة لتكوين الرؤية الصحيحة وربط الأحداث وفهم الصورة الكاملة والقدرة على استشراف القادم، وهذا التواصل مما لا تتوافر المرأة عليه بسبب توزع أدوارها وعدم تفرغها، وبفعل معتقدات ترى في الشأن السياسي مجالا رجاليا وذكوريا بامتياز، أضف أن البعض يتحفظ أن تنافسه امرأة نقاشاته السياسية أو الفكرية خوفا من أن يخسر رهان التحدي.
وتتطلب سياسة الكتابة في الكتابة السياسية الجرأة التي يدفع كتابها أحيانا ثمنا باهظا نتيجة عدم الإذعان لجهة أو سياسة معينة، وهو ماتحذره المرأة لعدم اثارة أي جدال فكري حولها نتيجة لارتباطها الحساس بمؤسسة العائلة والزوج والأبناء، فهي تتساءل قبل خوض هذا المضمار أين تضع نفسها بين كل تلك التجاذبات والاضطرابات وصراع القوى. ولهذا كثيرا ما تتوجه الكاتبات للوجدانيات والاجتماعيات وما يخص قضايا المرأة كونها الأقدر من الجميع على طرحها للناس وعرض وجهات النظر واقتراح الحلول لها.
الكتابة في السياسة فعل يسبقه فعل آخر هو الانخراط في تفاصيل هذا النوع ولا بد من الإشارة من بين الأسباب إلى سبب آخر لغياب الكاتبات عن العمود السياسي ، انه التقصير الذاتي. فالنساء عموما لا تستميلهن السياسة، ولا ينغمسن في مواضيعها كما الرجل ولا تملك المرأة الدافع إلى ذلك التحدي .
ما سبق محاولة لإيجاد اجابة لكل من يعتقد بقصور الأقلام النسائية عن الالتقاطات السياسية والخوض في العمق، انها ببساطة تصطدم بمعوقات كثيرة لا تقف فقط عند التربية الذكورية للمجتمع وليس آخرها هيمنة الرجل على المؤسسات الإعلامية التي تصنع الكاتب السياسي. إذن، لا بد من اظهار كثير التقدير للسيدات القلائل اللواتي اقتحمن الكتابة السياسية حد الاحتراف وحققن حضورا بمنظور جاد ومختلف عن كتابة الرجل لنفس النوعية، ودون أن يحتسبن رسوم التضحيات.