لماذا يغيب الطالب عن مفردات الحوار في مشهد مطالبات المعلمين بزيادة علاوة الـ 50%، والأصل هو أن يكون الطالب بعيداً عن أي عملية شد وجذب، وإلى الآن اقتصر خطاب النقابة على العلاوة، ودون شروط، وبتوقيت حرج بالنسبة للفصل الدراسي وبدايته.
ونتفهم مطالب المعلمين، بل ونقف معها، ولكن أيضاً، هذه الجموع من المعلمين التي بينها أخوة لنا وأبناء عمومة وجيران وشخصيات نحترمها، فإننا نخشى أن يكون بينها "فئة" تحمل في نفسها، مآرب تتجاوز المطالب المهنية إلى السياسة، ويكاد المريب يقول خذوني في إصرارهم على النفي.
وأمام هذه التفاصيل، والتأكيد على أحقية المعلم بمطلبه، إلا أنه يجب طرح تساؤلات ليس أبسطها تصريح لنائب النقيب يقول فيه "أن توقيت المطالبة بالعلاوة ليس مرتبطاً ببداية العام الدراسي؟"، وإن لم يكن كذلك فهل هو مرتبط بمواقيت يعلمها هو وترسمها ظروف الانتخابات النيابية والنقابية والتي دوماً ما تكون وقودها لتيارات تظهر خلاف ما تبطن الشعارات واستغلال الاختلالات أو استخدام هموم الناس وإيهامهم بتحقيق "الغنيمة" كوقود.
إننا ندرك ونتعاطف مع مطالب معلمينا البسطاء الأجلاء ممن نعرفهم، ويعرفوننا، ولكننا لا نخشاهم، بل نخشى من تلك الحالة التي باتت تتمدد من التجييش وعدم السعي إلى الحوار وفقدان الثقة بأي طرح آخر، في حالة غريبة عن الأردنيين وحواراتهم دوماً.
إنّ ما نعيشه اليوم من مشهد، يجب أن ياخذ بعين الاعتبار حق أبنائنا بالعلم، وإن كان الاضراب مطلباً فهل يشمل الصفوف الدنيا خاصة ممن جاؤوا لأول مرة إلى المدرسة من أطفال يحملون آمالاً وأحلاماً بلباسهم ومعنويات أهاليهم العالية، ليروا أمامهم مشهداً مرسوماً بالقلق، ومرهوناً بمطالب لا يعلم عنها شيئاَ!.
وكأننا اليوم أسرفنا في أساليبنا وأدخلنا إلى المشهد التربوي مفاهيم ومفردات جديدة، نتمنى أن لا تكون جاءت بفعل تيار "مسيس" يلوذ بصمت مريب، ويدرك تماماً أن المرحلة والأدبيات تغيرت مع حالة القطيعة التي عاشها في دول مجاورة بعدما فقد الكثير من قواعده وحواضنه.
نقف مع المعلم، ولكن على المعلم أيضاَ، أن يقف مع تلميذه، وأن يفكر بالقاعة الصفية والسبورة ومستقبل من يجلسون من الطلبة، ولحظات تدبير أهاليهم سبل العيش لهم، لا أوقات فراغ تلد أخرى !
إن من أدنى حقوق الطالب ومن بديهيات النظريات التربوية، هي ألا يكون الطالب ضحية، وألا يكون أداة استفزاز، أو رأس حربة في أسلوب يبدو وكأنه لي ذراع.
مستقبل طلبتنا، والأردن الذي بني بثنائية الجندي والمعلم، يعيش جيله الحاضر على مقاعد المدارس الحكومية مشهداً نخشى أن يترك حمولة ثقيلة على نفوس طلبتنا، ولماذا نلوح بالتعويض ونحن قادرون على أن ندرس ونطالب بحقوقنا التي يتجاوزها حق الطالب بالعلم.
فنظرة لرواتب المعلمين مع موظفي الوزارات تظهر أن علاوة الميدان والعلاوات الأخرى حققت له ميزة عن زملائه من الموظفين العموميين، ويستحقون أكثر.
فالأردن لم يبخل يوماً على المعلم بالتكريم المادي او المعنوي، وهو محل اهتمام منذ تأسيس الإمارة ولغاية اليوم، وهنالك الاف الجوائز والمنح والبعثات والمكارم وسواها التي تعبر عن قيمة المعلم التي لا ترفعها علاوة مالية، فالمدرسة والمعسكر جناحين دولتنا منذ أعربت عن ذاتها .
فكلنا في هذا الحمى الهاشمي اخوان ومسلمون فلماذا يصر تيار مستورد يتقن "التقية" السياسية على استيراد تجارب فاشلة؟ ومن ينكر ذلك عليه أن يتأمل جيداً التفاصيل والأساليب ومحاولات خلق انطباعات طارئة في ذهنية أبناء مجتمعنا !