الشائعة في الأردن .. ممنهجة ومدعومة
أبو جون
08-09-2019 03:08 PM
منذ بداية العام 2019، تعرضت المملكة لموجة مرتفعة من الشائعات المتداولة بين المواطنين، رُصدت بما يُقارب الـ 300 شائعة بحسب موقع "مرصد مصداقية الإعلام الأردني: أكيد"، وتفوقت فيها الشائعات السياسية والأمنية، وأخذت صداً كبيراً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعملت كذلك وسائل الإعلام الأردنية على المساهمة في نشرها وتداولها بنسبة لا يُستهان بها.
قد تكون ظاهرة الشائعات متواجدة بكثرة في العالم، وفي الدول المتقدمة أيضاً، لكن الوعي الكامن في هذه الدول يظهر بكيفية تعامل مواطنيها مع هذه الشائعات ومع نفيها، تحديداً أن صناعة الشائعة هي فن بحد ذاته، تتميز بقدرٍ كبير من الذكاء والتعقيد، ولكن هذا لا يعني أن كل شائعة هي مُصطنعة دائماً، بل قد تكون نتاجاً للتواتر أو التناقل لمعلومة ما، من شخص لآخر، حتى تنال ما يكفي من التحريف الذي نستطيع وصفه بالبريء إلى حد بعيد. إن ما يستحق النقاش في حديثنا حول الشائعات في الأردن؛ هو كيفية التعامل الشعبي مع هذه الظاهرة، وما هو مدى براءة الشائعة التي تنتشر بشكل كبير بين أوساط المجتمع، وعلى مختلف الوسائل المتاحة؟.
يركز جلالة الملك عبدالله الثاني على الدوام، على قضية الأخبار الزائفة، وعلاقتها بتفتيت المجتمع وإضعاف الإنتماء للدولة، ففي مقاله المنشور في نهاية أكتوبر 2018، بعنوان "منصات التواصل.. أم التناحر الاجتماعي"، يقول فيه "حين نتصفح منصات التواصل الاجتماعي نصطدم أحيانا بكمٍّ هائل من العدوانية، والتجريح، والكراهية، حتى تكاد تصبح هذه المنصات مكاناً للذم والقدح، تعج بالتعليقات الجارحة والمعلومات المضللة.. ولا يخفى على أي متابع للنقاشات الرائجة على الإنترنت، أن الإشاعات والأخبار الملفقة هي الوقود الذي يغذي به أصحاب الأجندات مُتابعيهم لاستقطاب الرأي العام أو تصفية حسابات شخصية وسياسية"، ويدلل جلالته على بعض الأحداث المحورية التي أخذت حيزاً في أذهان المواطنين، والتي سمحت الظروف التي تعيشها الدولة بأن يقتنع المواطن الأردني بأي معلومة غير ذات مصداقية ترتبط بهذه الحادثة، كحادثة البحر الميت، والإشاعات المرتبطة بإجازة الملك والسؤال الذي انتشر في تلك الفترة "أين الملك؟"، إن صراحة الملك في حديثه عن تلك الأحداث ترتبط بدلالات مهمة، وهي مدى الخطر الذي تبثه هذه الإشاعات على التماسك الداخلي للدولة، كما أنها رسالة واضحة للأردنيين بألّا يستهينوا بالانجرار وراء البيانات الحساسة حتى تثبت صحتها.
اختلاق"النوايا" واستهدافٌ للؤسسات الأمنية
تراوحت الشائعات في 2019، بين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكانت أغلب المعلومات الكاذبة التي تمس هذه التصنيفات مجتمعةً، هي "شائعات النوايا" التي لا تكلف مجهوداً كبيراً لصناعتها، ولا تحتاج لوثيقة لتُصدَق؛ فمثالها هو نشر معلوماتٍ غير أكيدةٍ عن نية الحكومة لفرض مزيد من الضرائب، أو أخبار بنوايا التضييق أكثر على المواطنين، أو إجراء صفقات تخل بخزينة الدولة، فيتم تداولها من قبل الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي بشكلٍ كبير وبسرعةٍ فائقة. وكذلك كثرت الشائعات المتعلقة بفساد منتجات أساسية كالغذاء والأدوية؛ وهو ما يلعب عاملاً نفسياً شديداً على المواطنين، فيُرهق انتماءاتهم ويضعف أملهم بالدولة، وذلك دون أن يشعروا بالفارِق المادي الحقيقي بالفعل، بل إن مجرد تداول هذه المعلومات دون التأكد من صحتها والاكتفاء بالتهكم عبر أحد المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، سيخلق حالةً من الضغط الشديد على المواطنين.
إن اللافت في الأمر؛ أن الشائعات المتداولة محلياً، قد تعدّت المستويات الحكومية لتطال المؤسسة الأمنية والقوات المسلحة، وهي التي تحتل مكانة رفيعة لدى الأردنيين. كما تربط هذه الشائعات المؤسسة الأمنية بشبهات فسادٍ مثلاً أو بيع أراضٍ من خزينة الدولة أو الإعتداء على مواطنين وغير مواطنين، وهذه تحديداً لا مجال لأن تُصنّف كشائعاتٍ بريئة، لأنها تحمل أهدافاً عميقة ونوايا واضحة لزعزعة احترام المؤسسة التي تنال ثقة المواطنين أكثر من غيرها، وتكون مصادرها خارجية عبر وسائل إعلام أجنبي وداخلية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لذا فإنه من غير المنطقي أن يتم تجاهل المستوى الدقيق لهذه الشائعات، ذات الحبكة المفتعلة، فهي تتعدى المستويات المعتادة جاهدةً لاختراق الثقة بالأجهزة الحساسة في الدولة.
الخطير في هذه الشائعات هو أن أغلبها يُعتبر من "الشائعات العنيدة" والتي هي ظاهرة تدل على شائعة تبقى مستمرة وتمتد دورة حياتها طويلاً رغم نفيها أكثر من مرة ورغم إثبات عدم صحتها، إذ تبقى مزروعة في أذهان الأردنيين على أنها حقائق؛ ولا يحصل نفي الإشاعة على صدى كبير كما تحصل عليه الإشاعة نفسها، ولا يتم تعديل الصورة الكاذبة التي صدقها الرأي العام منذ البداية، فتعمل هذه الأكاذيب على الصعود في بناء تراكمي من المعلومات المغلوطة، والتي تكون محركاً للمواطنين لتأزيمِ الوضع السياسي في الدولة.
العشائر الأردنية؛ تحت مجهر أصحاب الأجندة
وفي رحلة نزع الثقة بين المواطنين والدولة، كان من الملاحظ أن بعض وسائل الإعلام الخارجية والمهتمة بشؤون الأردن، عند تغطيتها لأي احتجاج يتم في الدولة، فإنها تبرز عناوين حادة ورنانة، تشيع من خلالها أن هنالك ما يفوق حالة الاحتجاج إلى ما يصل نحو الإنقلاب، والمستَهدف الأكبر في هذه الأخبار المضللة هم العشائر؛ كمحاولة لضرب الإنتماء العشائري لنظام الدولة الأردنية، ولأنهم أحد أهم أعمدة الدولة، فتعمل بعض الجهات (تحديداً الخارجية) على تصوير أبناء العشائر بأنهم منقلبون على الحكم، لا مجرد رافضين للنهج الذي تسير عليه الحكومات حالهم حال أي مواطن أردني آخر.
إن التخصيص الذي تتعرض له القبائل الأردنية، ومحاولات تصوير الفجوة بينهم وبين الدولة وباقي عناصرها وشرائحها بهذا الشكل المبالغ فيه، يُعيدنا إلى أبرز مثال تم من خلاله تزييف الحقائق فيما يتعلق بهذا الشأن؛ وهو "أحداث الكرك" الحاصلة في ديسمبر 2016، ففي حين كانت وسائل التواصل الإجتماعي المحلية تضج بمشاعر الأردنيين المنتمية للدولة ضد الإرهاب، والتي أظهرت تماسكاً مجتمعياً شديداً في وقتها، كانت الوسوم التي ينشر من خلالها الناشطون من خارج الأردن، ومن الدول العربية تحديداً، أشبه بقصص مختلَقة حول انقلاب العشائر الأردنية في الكرك على الحكم، وهو ما أثار استهجان الأردنيين الذين ينشطون على موقع "تويتر" تحديداً.
تصفية حساباتٍ عبر مجالس النميمة
لقد شكل حجم الشائعات الواردة من الخارج أمرا لافتا كما تتبعها "مرصد مصداقية الإعلام: أكيد" إذ أنه من أصل 274 شائعة في 2018، كان هناك 74 شائعة من مصادر خارجية توزعت بين وسائل إعلام عربية، أو لصفحات أردنيين من الخارج، إلى جانب نشطاء إسرائيليين.
لكن المفاجئ أكثر، بحسب نفس المصدر، بأنه في 2019 قد تراجعت مساهمة المصادر الخارجية في إنتاج الشائعات المتعلقة بالشأن المحلي، حتى نهاية شهر أغسطس. وتُعتبر هذه النتيجة مقلقة أكثر من السابق، لأنها آتية من لوبيات داخلية، أهدافها وصولية بحتة، أو كما يقول جلالته فهي متعلقة بـ "تصفية الحسابات". وليس بعيداً عن المتعمقين في الساحة الأردنية معرفة مصادر تلك الشائعات، التي هي في الظاهر تقف إلى جانب المواطن، وأما في الباطن فهي تسعى للوصول إلى الكراسي عبر حشد الرأي العام نحوها، عبر استغلال الثغرات التي تعاني منها الدولة لصالحها.
فمن المعروف أن مجالس النميمة السياسية التي تعرف بـ"الصالونات السياسية" لها يد دائمة في اختلاق السيناريوهات المغرضة، والتي تحاول تجييش الرأي العام لصالحها، والتي لطالما حذر جلالة الملك عبد الله الثاني منها؛ فالأساليب الرمادية التي يتخذها مرتادو الصالونات السياسية، تتلاعب بالمواطنين، لتحقيق مصالح سياسية فردية، على حساب المجتمع بأكمله، لذا فعلى المواطن أن يتأكد من المعلومات التي يتلقاها من جهاتها الأكثر مصداقية، وألّا يخلط بين الحقيقة والتحليل، كما يتوجب عليه أن يبحث قليلاً قبل أن يعاود تداول المعلومات المغلوطة، أو أن يساهم بالتحشيد لمصلحة أفراد غير معلومين بالنسبة إليه.